عدم الترحُّم على ستيف جوبز
ترحَّم عليه المسلمون أم لم يترحموا، فهذا لن يغير من التاريخ الإنساني حين يحفر الكبار أسماءهم وأعمالهم العظيمة على صفحاته؛ فالدكتور عجيل النشمي، في تعليق له على وفاة ستيف جوبز، نصح الجمهور الإسلامي بأن من حقهم أن يذكروا الفوائد الكبيرة التي قدمها ستيف للعالم، ولكن ليس لهم أن يترحموا عليه!. وفقاً لفتاوى "علماء" الدين لا يجوز طلب الرحمة لغير المسلمين، فلنا أن نترحم على روح بن لادن، مثلاً، وعلى كل "أبطال القاعدة" الذين سفكوا دماء الأبرياء دون أن يفرقوا بين المسلم وغير المسلم، ولنا أن نترحم على صدام حسين وعلي الكيماوي وكل الحثالات البشرية التي حفرت جرائمها في ألواح الذاكرة العربية والإسلامية، ولكن مرة ثانية وثالثة ليس من حقنا أن نترحم على لويس باستير، مكتشف البسترة والبنسلين، ولا أن نترحم على أديسون ولا هنري فورد، ولا على أي من العلماء الحقيقيين الذين قدموا أعظم المساهمات للبشرية، وخدموا أو أنقذوا حياة ملايين البشر! لماذا لا يجوز طلب الرحمة لهم ولا يجوز أن نحييهم بتحية الإسلام؟ لأنهم كفار وليسوا مسلمين!
هؤلاء من أمثال ستيف جوبز، الذي هز نبأ موته عالم التكنولوجيا، وغيَّر من نمط حياتنا، وغيره، ليست أرواحهم بحاجة إلى طلب الرحمة عليهم من البشر المسلمين، وليس لنا أن نصادر مفاتيح طلب الرحمة في صناديق مشايخنا، فالرحمة وعدم الرحمة بيد الله وحده، لمن يؤمن، وليست رهناً بفقه "علماء" شرعنا.في محاضرة لستيف جوبز عام ٢٠٠٥ بجامعة ستانفورد، وكانت تلك المحاضرة بعد سنتين من اكتشاف الأطباء لمرض سرطان البنكرياس فيه، ذكر الراحل تلك الفقرة عن معنى الموت وصراع الحياة، وأترجمها بتصرف "... تذكري أني سأموت قريباً هو أعظم تحد واجهته، لأنه منحني في الوقت ذاته القدرة على اتخاذ أكبر القرارات في حياتي، لأنه - تقريباً كل شيء – كل الآمال الكبيرة، والكبرياء، والخوف من حرج الفشل كل تلك الأمور تتضاءل وتتنحى جانباً حين نواجه شبح الموت، ليبقى ما هو عظيم فقط، وحين تتذكر أنك ستموت يوماً ما ستتجنب مصيدة الأسى على خسارة ما فات. ستبقى عارياً، وعليه فليس هناك ما يحول دون أن تتبع ما يمليه عليك قلبك..." هل نفكر قليلاً بحكمة ستيف جوبز وفلسفته وشجاعته قبل أن نفتي بجواز الرحمة عليه أو عدم جوازها، ويا الله لترحمنا برحمتك.