آفات انتخابية!
قد يكون من الصعب جداً أن يقف الإنسان بموضوعية وحيادية على جملة مبادئ وقيم دون أن يخسر مجاميع من مختلف الأطراف، ولكنه يظل شعورا مفعما بإرضاء الذات وراحة الضمير عندما يصدق المرء مع نفسه، وينسجم تماماً مع ما يعتقده حقا أو باطلا، أو خطأ أو صوابا.وإذا كانت الحياة حبلى بمثل هذه المواقف والابتلاءات فإن موسم الانتخابات قد يكون بمنزلة محك حقيقي لأن يقيّم الفرد ذاته بعيداً عن العواطف والمكتسبات السياسية إما للتربح وإما لضرب الآخرين، وهذه بعض النماذج القديمة والمتجددة في مثل هذه الأيام، والتي يمكن التعبير عنها بالآفات الانتخابية التي تتحول إلى سوق للدعاية والدعاية المضادة، وخاصة للمرشحين لعضوية البرلمان.
وأولى هذه الظواهر السلبية هي الانتخابات الفرعية، والتي يستخدمها البعض كسيف بتار ضد تيار المعارضة ورموزها، وبالتأكيد فإن هذه الانتخابات مجرمة قانوناً وحسم تجريمها من قبل المحكمة الدستورية، وقد تلحق هذه الممارسة من سلب مبدأ تكافؤ الفرض بين أبناء القبيلة الواحدة؛ ناهيك عن ضرب النسيج الوطني أو استفزاز بقية مكوناته.ولكن العجب أن البعض يحاول بفشل أن يلصق هذا الاتهام بالمعارضة فقط، ويحاول أن يستخف بعقول جمهوره رغم اقتناعه بأن جريمة الفرعيات تشمل نواباً حكوميين حتى النخاع، بل حتى من المشتبه فيهم في فضيحة "القبيضة"، أو أن نتائج هذه الانتخابات قد تكون مشروع نواب من هذه الجبهة أو تلك. وفي تناقض آخر فإن خصوم المعارضة ممن يعتبرون الفرعيات من كبريات الجرائم لم ينطقوا بحرف من كلمة حق في الإشادة بموقف نواب ومرشحي المعارضة ممن قاطعوا فرعيات قبائلهم وحركة شباب المقاطعة داخل القبيلة نفسها؛ مع إدراكهم أن مثل هذا الموقف يعتبر كالسباحة عكس التيار في بحر القبيلة وثقافتها.وفي المقابل نجد خصوم المعارضة تخفت أصواتهم أمام جرائم الرشوة الانتخابية وشراء الأصوات من تيارهم وجبهتهم الموالية للحكومة رغم خطورة هذه الظاهرة وحرمتها شرعاً وقانوناً وأخلاقياً، بل قد تصل الجرأة على الدين في تبرير هذه الرشوة بعنوان الهدية والمساعدة الإنسانية من قبل مدعي التدين، وعلمهم اليقين بأن مخرجات هذه الظاهرة من النواب غالباً ما كانت وصمة عار في جبين المجلس والمشتبه فيهم في سرقة المناقصات وأملاك الدولة وتضخم حساباتهم البنكية!وفي ناحية أخرى، نجد البعض في صفوف المعارضة ممن يطبل ويقيم القيامة على جرائم شراء الأصوات لأنها في دائرته الانتخابية، وقد تؤثر في معادلات المنافسة فيها، ولكنهم يلوذون بصمت عن الفرعيات أو ينتقدونها بخجل واستحياء، وفي موقف لا يقل ازدواجية في المعايير والقيم القانونية والأخلاقية.أما الفتن والغيبة والنميمة والتلفيق والافتراء وغيرها من صور متطلبات الموقف السياسي فتظل من المشتركات العامة عند البعض في الجبهتين معارضة وموالاة مادامت وسيلة لربح وخسارة الآخرين، والمضحك في الأمر أن الكل يجمع على ضرورة المنافسة الشريفة ونزاهة الانتخابات وشفافيتها، وفعلاً هنيئاً لمن يعصمه الله ويوفقه في هذا الابتلاء المليء بالآفات والآثام ما صغر منها أو كبر!