أكد الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية ورئيس اللجنة الوزارية العربية الخاصة بسورية أنه إذا لم يتوقف العنف في سورية فوجود المراقبين من عدمه سواء، وأضاف في تصريحات لقناة "الجزيرة": "إن بعثة المراقبين مختصة بمراقبة وقف القتال وهو ما لم يتم، وكذلك سحب الجيش وهو ما لم يتم أيضا، وهناك كثير من المراقبين لم تسمح له السلطات السورية بدخول سورية".
وأضاف: "أنه من الأهمية أن يكون الموقف واضحا مما يحدث حالياً من تصعيد لعمليات قتل المدنيين من قبل أجهزة الأمن السورية، إذا لم يتم وقف القتل والعنف فلابد للجامعة من قرار واضح حتى لا نكون طرفاً في عملية ليست ذات جدوى".منذ هذا التصريح وحتى اليوم، ازداد القمع وتصاعد القتل، ولم ينفذ من بنود بروتوكول الجامعة شيء، بل سقط المئات من الشهداء، والتساؤل الآن: متى يقتنع المدافعون عن استمرار مهمة المراقبين في سورية وعلى رأسهم الأمين العام للجامعة بأن المهمة ليست بذات جدوى؟!كل التقارير الدولية تشير إلى أن المعدل اليومي لأعداد القتلى في تصاعد أكثر مما قبل وصول المراقبين! وأخيراً تعرض بعض المراقبين للاعتداء كما انشق بعض المراقبين وناقضوا تصريحات رئيس البعثة الفريق الدابي الذي قال إنه لم ير شيئاً مخيفاً! ومع ذلك لايزال د. العربي الأمين العام للجامعة يصر على الدفاع عن استمرار المراقبين، ويقوم بمحاولات للتغطية على تصريحات الدابي بمبررات غير مقنعة، ويقول: إنه حدث تقدم جزئي! وكل الحقائق على الأرض تكذب تصريحات الفريق الأمني، إذ لم يحصل أي تقدم بل ازدادت وتيرة القتل وذلك بشهادات موثقة.وهذا ما دعا وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى القول: إن مهمة المراقبين في سورية أصبحت أكثر صعوبة لأسباب مختلفة، وهناك اعتداءات مع الأسف وقعت عليهم من قبل بعض العناصر غير المعارضة، داعياً الأمين العام للجامعة إلى الحديث عن هذه الاعتداءات التي وقعت على المراقبين، وهم من دول مجلس التعاون.ومما زاد مهمة المراقبين العرب صعوبة وتعقيداً، خطاب الرئيس الأسد أخيراً عندما سخر من الجامعة وخلع عنها رداء العروبة، ووصفها بالمستعربة لأنها علقت عضوية سورية وهي قلب العروبة، ومن قبل سخر وزير خارجية سورية من الأمين العام للجامعة، وقال إنه لا يشرفه التعامل معه، وهذا ما يدعو إلى التساؤل: إلى متى تصبر الجامعة على بذاءات النظام السوري؟ ومتى تعلن الجامعة فشل مبادرتها؟في تصوري أن مبادرة الجامعة العربية وبالذات بروتوكول إرسال المراقبين لمعرفة حقيقة الأوضاع في سورية، ولدت ميتة منذ البداية وذلك لأسباب:1- أن النظام السوري استطاع أن يفرض شروطه على الجامعة مثل توقيعه للبروتوكول، وبخاصة في ما يتعلق بحق النظام السوري في وضع الفيتو على من لا تريد من المراقبين، وللأسف فقد خضعت الجامعة للشروط السورية في هويات المراقبين وجنسياتهم وميولهم السياسية، ومما يؤكد ذلك أن النظام السوري رفض دخول المراقبين القطريين في البداية مما جعل دول الخليج جميعاً تمتنع عن إرسال مراقبيها تضامناً مع الوفد القطري مما أحرج الجامعة نفسها، وذلك ما حرك الأوضاع– طبقاً لطارق الحميد– وقام النظام السوري بالسماح للمراقبين القطريين بالدخول، إلا أن النظام لم يوافق أصلاً على التوقيع إلا عندما سربت له الجامعة أن رئيس المراقبين سيكون الفريق الدابي مما جعل النظام يشعر بالارتياح ويقوم بالتوقيع، ولعل في هذا ما يفسر استهداف المراقبين الخليجيين في الاعتداء الأخير، فالنظام لا يريد مراقبين من الخليج، ودعك ما يقوله العربي ونوابه!2- أن النظام السوري لن يمكن المراقبين من الاطلاع على حقيقة الأوضاع كما يجب، بل كما يريد النظام نفسه، لذلك عمل على تعقيد وتصعيب مهمة المراقبين في التحرك بحرية وزيارة المعتقلات، ودع عنك تصريحات الدابي بأن السلطات متعاونة، لأنه يستحيل على نظام قمعي أن يسمح بالتظاهرات ويسحب الآليات ويسهل زيارة المعتقلات، ويسمح للصحافة العالمية بدخول البلاد، لأن معنى السماح بكل ذلك نهاية النظام، وهذا يؤكد ما ذكره المحللون كافة بأن هدف النظام من الموافقة على دخول المراقبين أمران: دفع المراقبين وتوجيههم إلى تصديق روايته التي لم يصدقها أحد غيره، وهي أن الذي يقوم بالقتل هم مجموعة من العصابات المسلحة الخارجة على النظام، ومما يؤسف له أن تقرير الدابي الأولي تضمن ما يشي بتصديقه لهذه الرواية، وإلا فهل يعقل أن يقول العربي أنه لا يعرف من يطلق النار في سورية!لذلك نعت المعارضة السورية المبادرة العربية ووصفت التقرير الأولي بعدم الحيادية، وأن الحديث عن "أطراف مسلحة" يمثل مساواة بين الضحية والجلاد، ويشجع النظام على التمادي في القتل، أما الأمر الثاني الذي دفع دمشق للتوقيع فهو: لعبة شراء الوقت حتى يتمكن النظام من تصفية المعارضة، والعمل على منع وصول الملف السوري إلى مجلس الأمن.3- أن البروتوكول ولد ميتاً لأنه يفتقد أساساً الإمكانات اللازمة لتنفيذه، سواء من حيث التجهيزات أو مستوى حرفية المراقبين، إذ لا خبرة سابقة لهم، رشحتهم حكوماتهم بناء على معطيات لا تتناسب ومهمتهم، يقول المراقب المنشق أنور مالك: إن أغلبية رؤساء فرق المراقبين الذين يكتبون التقارير اختارتهم حكوماتهم ولا يوجد بينهم واحد من الحقوقيين المستقلين.4- أنه لا يوجد أي أساس أو سند أو مبرر منطقي أو مصلحي لإرسال وفد المراقبين للتحقق مما يحصل في سورية بعد 10 أشهر من سقوط 7 آلاف شهيد، فكان يمكن قبول ذلك في بداية انطلاقة الثورة وادعاء النظام أن العصابات المسلحة هي التي تقتل المتظاهرين، أما وقد وثقت كل التقارير الحقوقية الدولية عمليات القتل التي وصل بعضها إلى درجة جرائم ضد الإنسانية على امتداد هذه الشهور الطويلة، وبخاصة تقرري مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" إضافة إلى تقرير منظمة دولية "أفاز" عن حجم الفظائع المرتكبة في سورية.فلا جدوى ولا مبرر لتقارير مراقبي الجامعة اليوم، فلن تضيف شيئاً جديداً إلى ما هو معلوم ومتيقن لدى الكافة، إذ لو كان هناك أدنى شك في مسؤولية النظام فلماذا وافقت 19 دولة عربية على تعليق عضوية سورية، ولمَ وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في سورية؟إن في هذه التقارير ما يغني الجامعة العربية عن تكبدها العناء والنفقات ويوفر عليها الجهد كما يصون سمعتها وكرامتها ومصداقيتها، وكان يكفيها تحويل الملف السوري إلى مجلس الأمن بعد تعنت النظام طويلا كما فعلت مع الملف الليبي.لو انتظر العالم إرسال مراقبين إلى كوسوفو لأباد الصرب المسلمين هناك، ولو لم يتدخلوا في ليبيا لأباد القذافي شعبه، ولو لم يتدخلوا في الكويت لالتهم صدام المنطقة، الحالة السورية أكثر استحقاقاً للتدخل من قضية كوسوفو كما يقول عبدالرحمن الراشد.* كتاب قطري
مقالات
متى تعلن الجامعة فشل مبادرتها؟
16-01-2012