الشعوب ليست جرذاناً!

نشر في 15-11-2011
آخر تحديث 15-11-2011 | 00:01
No Image Caption
 تركي الدخيل حين جاء بشار الأسد إلى السلطة ظهر ما عرف بـ"ربيع دمشق"، حيث تفاءلت الأوساط الثقافية والصحافية والاجتماعية بمجيء بشار، لأنه شاب ومتعلم ومثقف وطبيب، لم يأت من زواريب العسكر، أو من جيوب الاستخبارات -هكذا ظنوا- كانت رؤيتهم إيجابية بحتة، وقد ساق تفاصيلها الصحافي اللبناني سمير قصير في كتابه "ديمقراطية سورية واستقلال لبنان، البحث عن ربيع دمشق"، إلى أن أخذ الأسد يسجن المثقفين والصحافيين، حينها عرفوا أن "حليمة رجعت إلى عادتها القديمة".

الذي يجري في سورية الآن نتيجة من نتائج فشل ربيع دمشق، تلك النفحة الإيجابية التي تولدت من حسن ظنٍ اجتماعي بمجيء بشار الأسد، حسن ظنٍ سرعان ما تبخر، وحين بدأت الاغتيالات في لبنان والدعم الواضح لتنظيم القاعدة في العراق وغير العراق، وحين ورط النظام السوري سورية في مآزق هي في غنى عنه، بدأت التساؤلات، وأخذت أصوات الاحتجاج تكبر، حتى تبلورت مع ما سمي بالربيع العربي، لتخرج هذه الجموع مطالبة بإسقاط النظام، والنظام لا يكلّ ولا يمل من إسقاط القتلى، في كل يوم نسمع عن عشرين وثلاثين وأربعين قتيلاً، وحين شعر النظام السوري بالإحراج والمأزق اخترع قصص تسلح المتظاهرين، وانضمام القاعدة بين صفوفهم، وها هي اليوم الجامعة العربية تتراوح في مواقفها بين الجمود الدائم، والفعالية والسخونة الطارئة.

وبتجميد عضوية سورية في الجامعة العربية مساء السبت 12 نوفمبر بات من الصعب على النظام الإفلات من القبضة الدولية، مع أن وزير خارجية قطر حمد بن جاسم نفى إمكانية تدويل الملف السوري في الوقت الحالي، غير أن التدويل لا يحتاج إلى قرار، لأن مجرد عجز الدول العربية عن لجم النظام السوري ورفع يده عن شعبه يعني أن المأزق لم يعد حكراً على سورية أو العرب، بل باتت المسألة إنسانية وبشرية، ولا يمكن للعالم أن يتفرج على هذه الفوضى وقد ضربت في كل اتجاه! المأزق السوري الحالي لا يمكن أن يحل سلمياً إلا من خلال النظام نفسه، إن استطاع أن يعترف ببشرية المتظاهرين وأحقيتهم بالحديث والكلام، والرأي والتعبير، وألا تكون "جرذنة الشعوب" سلوكاً متكرراً لدى بعض الأنظمة القمعية، فالشعوب ليست جرذاناً، ولها حق الحديث وإبداء الرأي والتعبير عن الموافقة أو الرفض.

إن الفرص تأتي كالشهب بشكلٍ خاطف، ومن دون ترتيب، وهي لا تتكرر، كانت فرصة النظام في إصلاح نفسه ماثلة أمامه قبل أشهر، غير أن الخناق يضيق عليه اليوم، وهذه المشكلة يشخصها الأكاديمي شفيق الغبرا حين قال: "إن استمرار حكم الطوارئ في سورية على مدى ثمانية وأربعين عاماً، رغم الإلغاء الاسمي مؤخراً، دليل واضح على فشل الإصلاحات التي وعد بها الرئيس بشار الأسد الشعبَ السوري عندما تسلم الحكم من الرئيس حافظ الأسد عام ٢٠٠٠. وأمام هذا الفشل، اتجه النظام بعد التوريث الأول والأخير في الجمهوريات العربية نحو القمع والحلول الأمنية، وكلما اعتمدت الدولة على الحلول الأمنية اقترن ذلك بتراجع شرعيتها وفشل أجهزتها المدنية في تحقيق طموحات المجتمع"!

لا يمكن لأي نظامٍ أن ينجو بنفسه من خلال قتل شعبه، هذه سنة تاريخية، الأنظمة التي تقتل الشعوب تحفر قبرها بنفسها، هكذا كانت نهاية القذافي الدامية، الذي كان قبل أشهر قليلة يخطب بأن معه الملايين، وأن المتظاهرين حفنة من الجرذان، وأن وراءه الملايين ستنقذه من كل هذه الفوضى، وأنه سيمر على ليبيا "بيتاً بيتاً"! الأسلحة لا تنجي الأنظمة، معظم الأنظمة التي سقطت كانت تحمل ترسانات عسكرية ضخمة، من نظام صدام إلى نظام القذافي، القوة لأي سياسة في اعتراف الشعب بها، لكن المشكلة أن يعتبر النظام نفسه "حارس قطعان"، أو أنه وصي على جحورٍ "للجرذان" هذه هي المصيبة!

back to top