نعلم يقيناً أن السياسة تتبع المصالح، وأن الدول لا تتخذ مواقفها إلا بعد أن تحسب بالقلم والمسطرة الكسب الذي ستعود به من ذلك الموقف، فالعاطفة لا تدخل في حسابات الدول عند دراستها لأي قضية، بل ولا حتى العدل والإنصاف، وإلا لكانت أميركا قد حسمت أمرها وأعلنت الحرب على إسرائيل لإنصاف الفلسطينيين الذين يعانون ولسنوات طويلة اضطهاد اليهود، وجرائمهم ضد الإنسانية التي تقشعر لها الأبدان، والتي تصورها الكاميرات وتبثها القنوات الفضائية صباح مساء، دون أن يتحرك ساكن في قلوب المسؤولين الأميركيين ولا حتى الأوروبيين.

Ad

إذن، نخلص من هذا أن السياسة، وخصوصاً في دول الغرب، تدور حيث دارت المصلحة وتقف عندها ولا تتحرك قيد أنملة عنها، فإذا كانت هذه هي الحقيقة فلماذا يا ترى تحولت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عن حلفائهم من الحكام العرب، مثل حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح، وأعلنوا تأييد الثورة عليهم منذ الأيام الأولى لبداياتها؟ وكيف تجاوزوا مصالحهم في تلك الدول ووقفوا في الصف المعادي لحلفائهم؟ هل كسروا تلك القاعدة الذهبية أم أن في الأمر سراً لم ينكشف حتى هذه اللحظة؟

إن الحماس الذي تعاملت به أميركا وحلفاؤها من الدول الغربية مع ما سمي بالربيع العربي يدل بجلاء لا لبس فيه أن المصلحة، والمصلحة لا غيرها، هي التي دفعتهم لإعلان تلك المواقف المناصرة لثورات الشعوب العربية والانقلاب على حلفائهم رؤساء تلك الدول، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة... هذا الكلام بالطبع ليس تشكيكاً في نوايا الشعوب العربية التي ثارت على الظلم والدكتاتورية والحكم الجبري، لكنه تفسير منطقي لمواقف الحكومة الأميركية والحكومات الأوروبية من تلك الثورات. ولعل هذا التفسير يتضح في مواقف تلك الدول من حكم الشاه رضا بهلوي إمبراطور إيران، الذي كان يعتبر نفسه رجل أميركا في المنطقة، والذي حافظت واشنطن على علاقاتها الوثيقة معه طوال سنين حكمه، حتى جاءت ثورة الخميني، الذي كان يعتبر أميركا الشيطان الأكبر، ويعلن خصومته لها ولحلفائها الأوروبيين. ومع هذا فإن دول الغرب، بما فيها الولايات المتحدة، باعت حليفها في إيران بابخس الأثمان ورفضت استقباله، في حين استقبلت فرنسا الخميني وفتحت له أبواب الإعلام وسهلت له الاتصال بأتباعه في إيران والعالم أجمع. وتساءلنا جميعاً في ذهول؛ كيف كسرت حكومات الدول الغربية تلك القاعدة الذهبية وتخلت عن حليفها لعدوها؟ حتى عرفنا الجواب في هذه الأيام ورأينا الدور الذي تقوم به إيران وحلفاؤها في المنطقة، والذي دفع دولها إلى الارتماء في الحضن الأميركي.

إذن، هي المصلحة، ولا شيء غير المصلحة، التي تتحكم في السياسة الغربية وتحولها يميناً وشمالاً، وعلينا أن نعرف ذلك جيداً ونحفظه، حتى لا يصعب علينا تفسير أي موقف غربي تجاه قضايانا المحلية والقومية.