لم يوافق أيزنهاور الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة، قائد قوات الحلفاء على التأخير أكثر من يوم واحد فقط على بدء الهجوم ومباغتة ألمانيا، كان لا بد من هذه الهجمة الانتحارية والمحاولة النهائية لإبادة حكم طاغية هدد العالم، وأقسم أن يفرض أسلوبه على من هو أدنى منه، فتوازن القوى عنده أن القوي يستأصل الضعيف، والتفاهم أن تسمع ما أقول، والمحادثات أنه يمثل المرتبة الأولى والعالم كله يأتي من بعده.
لم يطل الأمر كثيرا، فخلال شهرين فقط تمكن الحلفاء من الوصول إلى برلين من خلال "النورماندي"، واحتاج الحلفاء خلال هذه المسافة التي لا تتعدى 300 كيلومتر إلى مليون جندي و7 آلاف سفينة و120 ألف طائرة حربية و90 ألف ناقلة جنود، أخضعت بعدها ألمانيا لاتفاقية مذلة امتلأت بشروط الحلفاء والاتحاد السوفياتي. استسلمت ألمانيا عسكرياً، ولكن الواقع يحكي نهضة عملاق صناعي تصعب مضاهاته، وأمة عظيمة ذات أعراق متعددة، فبعد الحرب كان هناك شبح دولة، إذ ضاعت أو دفنت المخططات العمرانية، وسحقت المصانع، ودمرت البنية التحتية، فبدأ العمل بإعادة الإعمار وصار السوق هو الذي يحدد التخصصات ونوعيات العمالة المطلوبة، وفي المقابل ظهرت أهمية التعليم خصوصا التعليم العالي، الذي يعتبر الأقرب إلى سوق العمل. عمدت الجامعات والمعاهد التي لم تتعد ذلك الوقت 16 إلى متابعة احتياجات السوق والدولة، والتي تركزت على البناء والصناعة. وبالتالي تطورت مهنة الأبحاث وصارت ملازمة للنظام التعليمي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قامت كبرى الشركات بتبني مراكز الأبحاث، فصار ذلك دأب العلاقة بين سوق العمل وجهات التعليم لديهم حتى يومنا هذا، وخرجوا بأكثر من 370 جهة تعليم معتمدة عالمياً وأكثر من 22 ألف براءة اختراع في 2010 فقط، وقطاع صناعي ليس له مثيل في العالم من حيث النوعية والدقة والاعتبار، عمالة فنية متوسطة هي أكثر أهل أوروبا دخلاً، ونسبة لا تتعدى 6% من العاطلين عن العمل، وهي الأقل بين جميع الدول الصناعية، وأخيراً، قطاع خاص يتناغم مع متطلبات الحياة الاجتماعية واحتياجات أسر العاملين، كل ذلك لم يكلف الدولة أكثر من 8% من ناتج دخلها القومي.في المقابل نجد أن معدل تكلفة الطالب في الكويت تتجاوز 3000 دينار سنويا، وتصرف الدولة أكثر من 15% من دخلها على التعليم لنجد سوق عمل يعمل فيه ما يزيد على 1.3 مليون أجنبي منهم نصف مليون لا يحملون مؤهلات، وأكثر من 800 ألف عامل جاؤوا من دول لا يتعدى دخل الفرد فيها 5 دولارات يومياً، ولدينا أقل من 40 ألف جامعي غير كويتي.بينما "الحبايب" الكويتيون مكدسون في الحكومة حيث اقترب عددهم من 200 ألف موظف بإنتاجية لا تتجاوز 5% من المطلوب، وأغلبهم "يداوم الساعة تسع" ويذهب "يطلع العيال من المدرسة" الثانية عشرة ظهراً.*twitter@wathnan
مقالات
ألمانيا تنتصر في النورماندي
15-10-2011