إيداعات مليونية والخافي أعظم
الإيداعات المليونية للنواب المحسوبين على الحكومة (كل الأسماء المتداولة حتى الآن صوتت مع الحكومة في الاستجوابات الموجهة إلى رئيسها وأعضائها) ليست سوى مظهر آخر صارخ من مظاهر فساد المنظومة السياسية، التي باتت معوقا أساسيا أمام تطوير نظامنا الديمقراطي وتجديده، والخافي أعظم، فالفساد والإفساد لا يتوقفان عند موضوع الودائع المليونية لبعض أعضاء المجلس من المؤيدين للحكومة رغم بشاعة ذلك.فهناك المناقصات المليارية، والتعيينات في المناصب العليا، والعلاج في الخارج، والأراضي التي يقال إن بعضها خارج الكويت، والأسهم والمال السياسي الذي يدفع وقت الانتخابات، و"الشيكات" وغير ذلك من الرشاوى السياسية.
إن ما حصل ويحصل من فضائح سياسية تتعلق باستخدام المال السياسي، وتعارض المصالح واستغلال المنصب العام هو نتاج طبيعي لفساد المنظومة السياسية، وعدم فعاليتها بعد أن أصبح المشروع الشخصي وليس المشروع الوطني هو المحدد للتوجه العام، وما ترتب على ذلك من تشويه مستمر للعمل السياسي الذي أضحي مرتعا خصبا للفساد والإفساد. والآن ما المطلوب؟ هل المطلوب أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونخدع أنفسنا ونكذب على الناس من خلال الادعاء أن الأمور تسير على ما يرام، وأننا بعيدون عن التأثر بنسمات الربيع العربي؟ أم أن المطلوب هو الاعتراف بخطأ النهج الحالي ومصارحة الناس والقيام بحزمة إصلاحات سياسية ودستورية جذرية وشاملة تخفف من الآثار السلبية للتداعيات التي ترتبت على الربيع العربي؟وبالمناسبة ما الربيع العربي؟ ولماذا هبت نسماته على بعض الدول العربية؟ أليس المقصود بالربيع هو التجديد والتغيير للأفضل بعد أن وصل فساد الوضع العام حدا لا يطاق نتيجة لاحتكار السلطة والثروة وما ارتبط بهما من كبت للحريات، وإهانة للكرامة الإنسانية وظلم وغياب للعدالة الاجتماعية والمساواة و تكافؤ الفرص؟ ألم يوجد في أغلب الدول العربية التي ثارت شعوبها مجالس صورية فاسدة كانت تسمى بمجالس الشعب والشورى يطبل لها الإعلام الرسمي ليل نهار رغم أن الناس تعرف تمام المعرفة أنها مجالس كرتونية مزيفة لا تمثلهم إطلاقا؟صحيح أن وضعنا السياسي في الكويت مختلف عن الوضع العام في أكثر الدول العربية، وهناك مجال واسع ورحب لتطوير منظومتنا السياسية في الإطار العام الذي حدده الدستور، ولكن بعض القوى الاجتماعية والاقتصادية لا ترغب في تطوير نظامنا الديمقراطي لأن ذلك سيقلص من امتيازاتها ونفوذها، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تضييق درجة الاختلاف بيننا وبين دول المنطقة، والتي أصبحت فعلا تضيق شيئا فشيئا نتيجة لجمود الوضع العام وعدم تجديده.إن الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى الضرورية من أجل التوصل إلى حلول ناجعة، لذا فإن الاعتراف بفشل النهج الحالي وفساد الوضع العام وجموده هما الخطوة الأولى لإصلاحه، خصوصا أن مظاهر فساد المنظومة السياسية أصبحت لا تعد ولا تحصى، فالكل، بما في ذلك بعض الأطراف الرسمية، يتحدث عن ذلك، وهو الأمر الذي يتطلب حزمة إصلاحات سياسية وديمقراطية جذرية وشاملة طال انتظارها.