عبادة الأصنام والملوك والرؤساء انتهت وأصبح الناس أحرارا ولا يقبلون بغير العدل والحق حكما... انتهى عهد الزمن الذي تتوقف حياة الأمم على كلمة من حاكم، وانتهى عصر العبودية والذل والاستسلام للرأي الواحد وحكم الفرد.

Ad

كل هذا أصبح معروفا ومعلوما عند كل الأمم، فما بالنا نخلق الأصنام ونشرك عبادة الله بآلهة أخرى؟ إننا نعيش فترة من أسوأ ما مر بنا منذ استقلال الكويت حتى الآن، فمن كان يظن بعد حكم عبدالله السالم وحرصه على تمكين عائلته في الحكم بالاتفاق والتفاهم وتوثيق العقد بينه وبين الناس أن يأتي وقت ينسف فيه كل هذا ولا يبقى لنا إلا الكلام المنمق الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، بينما الناس تتصارع في دوامة وفوضى واضحة فاضحة تقول ولا تقول، وتدري ولا تريد أن تدري، تبحث عن المتسبب في نشر الفوضى وتعرفه ولكنها لا تسميه، وتتهم مأمورا هنا أو شاهدا لم ير أي شيء ولم يشترك في أي شيء من قريب أو بعيد.

بات الناس في حيرة مما يجري، فقد اختلط المطالب بحماية الدستور بالطامع بالحكم والسارق للوطن وطالب الشهرة والراشي والمرتشي، بينما تتفرج السلطة وكان ما يحدث خارج نطاق الوطن أو أنه شأن لا يعنيها بأي حال من الأحوال، وعقلها يقول: "فخار يكسر بعضه"! الفخار لو كسّر بعضه فإنه سيتكسّر على رؤوسنا جميعا لا يستثني شيخا ولا صغيرا، وأخشى أن يكون الانتباه بعد فوات الأوان وأن نبكي أطلالا لم نصنها.

المطلوب اليوم هو عودة إلى الأساس والأسس التي تعاقد الناس والحكم على احترامها، وأهمها أن نحكم بالعدل والنزاهة وأن نعمل يداً واحدة في بناء الوطن، دستورنا الذي ارتضيناه وإن أعطى للحاكم أكثر مما أعطى للأمة فإننا لا نريد إلا أن يطبق تطبيقا كاملا وجادا، وأن نلتزم بنصوصه وروحه دون لعب أو تلاعب أو تجاوز عليه سواء باللفظ أو بالتنفيذ، وأن يعود نواب الأمة إلى وعيهم بما أقسموا عليه وبما اختيروا من أجله، وأن ينظفوا صفوفهم ممن تلوثت أيديهم ومحاسبة من لوثها.

لا يمكن أن نبقى ضحية لصراع بين أفراد لا يواجهون بعضهم مباشرة ولا يحلون مشاكلهم داخل بيتهم، فيشتغلون بالناس تجزئة واستقطابا بالمال والإغراء وبالتهديد والوعيد. إننا لم نر أسوأ فترة استشرت فيها القبلية والطائفية مثلما نعيشها هذه الأيام، فالمستقطبون لا يهمهم ما يحدث للوطن بعد ذلك، ولا يهمهم إن وصل إلى حافة الحرب الأهلية أو أعدوه ليكون لقمة سائغة للغير.

كل همهم هو الفوز بالنفوذ والسلطة والاستفراد بثروة البلاد، إنهم يحقروننا في كل لحظة فليس أسوأ من رؤية هؤلاء وهم يعدوننا في سوق النخاسة يتعاملون في قضية الوطن كما يتعامون في أي بضاعة قابلة للبيع والشراء. يتحدثون في الديمقراطية والدستور والقانون وهدفهم في الحقيقة القضاء على الدستور والتخلص من أي مظهر من مظاهر الديمقراطية.

خمسون عاما وهم يشتغلون ليل نهار في تخريب ما تعاقد الشعب والحكم عليه، ونجحوا أو كادوا أن يبعدوا الناس عن قضاياهم الأصلية ويشغلوهم في قضايا جانبية لا تنتهي، وأثّروا في أداء المؤسسات الدستورية وأبعدوها عن أهدافها وهم الآن يجنون ثمار ما فعلوه بعد أن وصل التمزق مدى يهدد كيان الدولة.

في هذه الفوضى العارمة تغتنم خفافيش الظلام الفرصة وتدخل لاعبا من أجل الانقضاض على الوطن المهمل وإعلان دولة الخفافيش المغلقة على عصور الظلام باسم الإسلام، وهي أبعد ما تكون عن الإسلام وأهدافه وغاياته.

لا إله إلّا الله... حقيقة لا بد أن نتذكرها جميعا، أما المخلوقات فكلها أمام الله سواسية، فإذا تذكرنا هذا حكاما ومحكومين فإن جبالا من سوء الفهم تزول ولا يصبح لمتنفذ أو مخرب أو طامع أي مكان بيننا.

وعي الأمة كفيل برد هؤلاء خائبين وقادر على تصحيح المسار ووقف سيل الهدر والتخريب والتجريب، وعلينا أن نرفع الصوت هادئا وحاسما وصادقا: أن كفى لعبا بمقدرات الوطن ومستقبله، وأن نبذل كل الجهد من أجل إحياء روح المواطنة وحب الوطن والعمل يدا واحدة في بناء الوطن وتطويره ومحاربة كل مفسد فيه.

فهل نحن واعون لهذا؟