كنا مجموعة من الكتّاب العرب، في لقاء مع عددٍ من الناشرين العرب، للتباحث في أمر الكتاب والنشر العربي، بعد الثورات والانتفاضات العربية التي اجتاحت وتجتاح طول وعرض أقطار الوطن العربي. وكشفت عن وجهٍ جديدٍ مشرقٍ للإنسان العربي، وقدمت للعالم صورة مغايرة عن وعي شعوب المجتمعات العربية، ومدى إيمانها بالنضال السلمي الحضاري، وعشقها للحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الإنسانية.

Ad

الناشر العربي في العموم يشكو مرّ الشكوى من تأثر جمهور القراءة العربي بالأحداث الجارية وانغماسه في مجرياتها، وانصراف شريحة كبيرة من القراء إلى متابعة الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية اليومية المتغيرة والمحتدمة، عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة. وإن ذلك أدى إلى الانصراف عن الكتاب، والكتاب الأدبي تحديداً، مما أثر بشكل كبير على كساد تجارة وحركة الكتاب العربي، منذ مطلع عامنا الحالي، ومؤكد أنه مرشح للاستمرار في ظل وضع عربي يزداد تأزماً وتشابكاً وتعقيداً، وربما نزيفاً دموياً، يوماً بعد يوم.

المتابع لحركة الكتاب العربي، يعلم أن عواصم طباعة الكتاب العربي النشطة، وأعني بيروت ودمشق والقاهرة، إنما تعتمد في تسويق وبيع الكتاب على شكلين أساسيين هما، نقط البيع المحلية لديها من جهة، ومعارض الكتب العربية من جهة ثانية. وهذه الأخيرة باتت تشكل الدخل الأساس بالنسبة للناشر العربي، خصوصا بعد تنظيمها، من قبل اتحاد الناشرين العرب. واعتماد جمهور القراءة في بلدان كثيرة عليها، في اقتناء أحدث الإصدارات العربية والأجنبية.

الكتاب العربي، برأي ناشريه يعاني في الأساس مشاكل كثيرة، تتمحور حول نسبة الأمية المرتفعة في الوطن العربي، ومحدودية القراءة، وصعوبة انتقال الكتب في ظل الرقابات الحكومية العربية الجائرة، وأخيراً بسبب انشغالات الإنسان العربي الحياتية الصعبة، وارتفاع سعر الكتاب، وعدم وجود الوفرة المالية لدى جمهور عريض من القراء العرب. إذا ما أضيف لكل ذلك ما استجد من ظرف سياسي شعبي طغى على مشهد الحياة في الأقطار العربية، فإنه يبدو واضحا للعيان المأزق الذي تمر به تجارة الكتاب، وبالتالي الناشر والكاتب العربي.

إن أحداث وعوالم الانتفاضات والثورات العربية بزخمها اليومي المتواصل والمشتعل في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وسورية ولبنان والعراق واليمن وربما عواصم عربية أخرى، باتت مستحوذة على اهتمام وفعل وحياة الناس، وطاردة لتنظيم معارض كتب، قد تبدو بطراً لا معنى له، في لحظة تاريخية يعري فيها الإنسان العربي صدره ويندفع مستميتاً في مقابل الرصاص، مردداً: حرية، حرية، ليصنع غده ومستقبله المؤمل.

إن حب الحياة، يشكل الغريزة الأهم للإنسان، ولحظة تعرض حياته للخطر، فإن أولوياته تتجه إلى البحث عن وسائل آمان للاحتماء بها، والنجاة من الخطر المحدق به. لذا فمبرر انصراف شريحة كبيرة من الشعوب العربية والقراء العرب عن الكتاب والمطالعة المسترخية، في ظرف مضطرب ودموي كالظرف الراهن. لكن هناك أسئلة واجبة ومشروعة لابدَّ من الوقوف عندها: فهل تكنس الثورات والانتفاضات العربية صناعة الكتاب العربي، الضعيفة أصلا، في طريقها وتزيح دور الكاتب والمثقف عن الساحة العامة الجماهيرية؟ وهل الانعطافات الكبيرة في التاريخ البشري كانت فترات ابتعاد عن الفكر والتعقل والكتاب؟ وهل يتوجب على اتحاد الناشرين العرب عقد مؤتمر عاجل لتدارس الأمر، والاتفاق على مخرجٍ ينقذ الكاتب والكتاب العربي؟

ندرك تماماً المنعطف التاريخي الكبير الذي تعيشه وتمر به أقطار وطننا العربي الكبير، وندرك أن أوطاناً عربية مشرقة ستولد من جديد، وأن الناموس البشري يقول بالألم والوجع أثناء الولادة، لكننا ندرك بثقة أيضاً أن الإنسان العربي أثبت عشقه للحرية والديمقراطية، وأنه لا حرية بدون كلمة، ولا ديمقراطية بدون كتاب.