قرار مواجهة الاستجوابات سيصب في مصلحة الديمقراطية، وسيحجب الحجة عن مبررات النزول إلى الشارع، وسيجنب الكويت شر فتنة قد لا تحمد عقباها، وبغض النظر عن نجاح الحكومة في المواجهة، فالوقوف على المسمار حتما ألمه أكثر من المشي عليه.

Ad

 "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم" جملة قلتها بعدما قرأت رسالة وردتني من ابننا حمد عبر الهاتف النقال، وهي عبارة عن بيت شعر يتيم لم أستدل على صاحبه:

"صرنا سوات (مثل) اللي مشى فوق مسمار... مشيه عذاب وقفته مستحيلة".

قرأت البيت أكثر من مرة فوجدته يحاكي الواقع وينطق بلسان حال الكثيرين من أبناء الكويت ممن لا ترضيهم حالة الشد والتصعيد بين أفراد المجتمع.

تعاطى المواطن مع الأحداث، خصوصا بعد مظاهرات "جُمع الرحيل" واختزلها بشخص الرئيس نتج عن ذلك انقسام واضح بين المواطنين في وجهات النظر بين معارض ومؤيد لتلك المطالبات؛ ليس فقط في حق المواطن بالتعبير، لكن أيضا عن كيفية تعامل الحكومة مع تلك الأحداث، خصوصاً بعد تشددها في أحداث الصليبيخات ثم اكتفائها بمراقبة الجمهور الذي لم يكترث كثيراً بمطالبة وزارة الداخلية له بالتظاهر في ساحة الإرادة.

هذا التحول في إدارة ملف الحراك الشعبي لم يكن ليكون لولا إدراك الحكومة وإيمانها أن سياسة الاحتواء لمواكبة التغيرات بغية تعزيز المفهوم الوطني والديمقراطي هي نهج حتمي لمواكبة التطور الفكري والسياسي لدى المواطن الكويتي الذي تطور وعيه بأهمية دوره في التغيير.

ما تشهده الديمقراطية الكويتية لا يمكن مقارنته مع المحيط العربي، ولا حتى بالمحيط الإقليمي، فالتجربة أبعد وأكثر أصالة، فلم تكن وليدة المصادفة بل ممارسة اعتاد عليها الشعب الكويتي وقبلتها أسرة الحكم على مر السنين؛ لذا تجد النموذج الكويتي الأكثر تطوراً في المنطقة بل الأكثر قدرة على مواكبة الأحداث والتواصل فيما بين الحاكم والمحكوم، فهي السبب الرئيس في تعزيز الأمن الاجتماعي واللحمة الوطنية.

تعاقب الحكومات أو حتى حل مجلس الأمة لأكثر من مرة لا يمكن تحميله على الحكومة فقط، وكأن النواب ليسوا مسؤولين عن ذلك الشحن والاحتقان السياسي، فالمراقب للكتل البرلمانية يجد التعسف والشخصانية في استخدامها للأدوات الدستورية؛ مع عدم احترامها  لوجهات النظر الأخرى، إذ انعكس ذلك السلوك سلبا على الشارع، حيث فقد ثقته بكلا المؤسستين، فالتعسف من النواب واضح وضعف الأداء الحكومي أوضح.

قرار مواجهة الاستجوابات سيصب في مصلحة الديمقراطية، وسيحجب الحجة عن مبررات النزول إلى الشارع، وسيجنب الكويت شر فتنة قد لا تحمد عقباها، وبغض النظر عن نجاح الحكومة في المواجهة، فالوقوف على المسمار حتما ألمه أكثر من المشي عليه، لكن تعامل الحكومة بتحويل استجواب الشيخ أحمد إلى اللجنة التشريعية ثم طلبها تأجيل استجواب الرئيس لمدة أسبوعين لن ينهي فتيل الأزمة، ولا حتى تأجيلها، فما زال الطريق طويلا لتبديد الظنون بقدرة الحكومة على إدارة ملفات المواجهة.

رعاية الدستور مسؤولية الكل والمحافظة عليه ستضمن حق الوطن والمواطن دون نقصان في الواجبات.

ودمتم سالمين.