فضّوها سيرة يا بدون!
ارحمونا يا "بدون" من مطالباتكم، فالبلد يمر بمنعطف تاريخي، ارحمونا... ودعونا نناقش القليل من تداعيات هذا المنعطف كي نلتفت لالتهام المزيد مما لذّ وطاب في المقار الانتخابية! لا يهمّنا إن كنتم لا تملكون شهادات ميلاد أو وفاة، أو أن زيجاتكم لا تتم إلا في المخافر، أو أنكم حُرمتم من التعليم والصحة والحقوق، فكل هذه الأمور لا تهم، الأهم أن نعرف كم من الكوادر والزيادات والمنح ستقر لنا نحن أصحاب "الجناسي" خلال المنعطف التاريخي الذي نمر به. يكفينا أن نمارس إنسانيتنا بإغاثة الصومال في شهور رمضان فقط، أما أنتم فليسوا سوى دخلاء تريدون اقتناص حقنا في السكن ومزاحمتنا في المستوصفات والتفوق على أبنائنا في المدارس. يا الله... كيف لأشخاص أن يعتنقوا هذا التفكير؟ وكيف لكم يا "بدون" أن تترجوا خيراً منّا ونحن من تناسيناكم سنوات وسنوات؟! كيف تترجون الخير منا ونحن من اختلفت مسطرته في الأحداث بين بلد وآخر لسبب أو لآخر؟! في أحيان كثيرة، لا أدرك معنى الإنسانية داخلنا، فقلوبنا التي تتكسر لعشوائيات مصر ومهمشي اليمن وغيرهم تتحجر على الأقربين، قضيتكم يا "بدون" لا تتعلق بجنسية والسلام، هي قضية إنسانية يعيش أصحابها وهم يؤدون واجباتهم تجاه الوطن دون أي حقوق لهم، قضية يحمل أطفالها أملا مكسورا منذ الولادة، فهم في الأغلب سينتشرون حول إشارات المرور لإعانة أبوين تجعد وجهاهما وتقطعت بهما السبل وباتا بلا حيلة. لنتخيل، أن نولد لأب "بدون"، فهذا القدر ليس من اختيارنا، كما لم نختر أن نولد وآباؤنا يملكون جوازات سفر وإثباتات، أقول لنتخيل مرة هذا القدر، ونحن نكبر محرومين من التعليم، والوظيفة والصحة... إلخ، وأترك لكم بقية تفاصيل حلم اليقظة، ولا تنس أنك إن طالبت بحقك بعد سنوات من تجاهل وجودك في المجتمع ستواجه بقنابل غازية ورصاص مطاطي وفكر مجتمعي متصلب لا يختلف عن فكر "شعب الله المختار". في تيماء الإنسان، اكتشفت نوعين من "البدون" في الكويت، إما "بدون" جنسية وإما "بدون إنسانية"، كما أن مطالباتكم يا كرام عرّت الكثير من الوجوه من المتسترين بشعارات دينية، أو المتمترسين خلف عنصريتهم البغيضة بقناع الوطنية، لهذا الأمر يدعوكم البعض ليل نهار بالقول "فضوها سيرة يا بدون... فنحن في مرحلة تاريخية لا تتحمل مطالبكم"، لأن استمراركم في تيماء يعني بالنسبة إليهم مزيداً من التعري إنسانياً!