الحرب على المغردين!
ملاحقة المدونين والاستمرار في تهديدهم بشكل مباشر، بل تعريض المغردين للاعتقال والحبس وحتى التعذيب والإهانة تحولت إلى سياسة حكومية، أما النفي المستمر لبعض المسؤولين وآخرها في الخدمة المدنية بعدم الملاحقة والتنصت والانتقام من المواطنين بسبب بث آرائهم أو انتقاداتهم، فهي مثيرة للسخرية والأسى في نفس الوقت، بل إنها كاذبة حتى النخاع.
خدمات التواصل الاجتماعي عبر الوسائل الإلكترونية سيطرت وبشكل شبه كامل على تدفق المعلومات وطرق التعبير عن الرأي بين الناس، وسوف تكون الثورة المعلوماتية المتجددة والكاسحة سبباً في تطور ونضوج، بل مأسسة تداول المعلومات والإخبار والآراء لسنوات إن لم نقل عقودا قادمة.وإذا كان العالم الأميركي كارل دويتش في كتابه "عصب الأمم" قد فجر آفاق التحولات السياسية والاجتماعية، وبلورة صور ونماذج الحكم ونجاحها عبر الاتصالات والمواصلات التقليدية التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية، والمتمثلة بخطوط الهاتف ومحطات التلفاز والطرق السريعة، فما عساه أن يقول وقد اختزل العالم برمته في جهاز صغير تقلبه أنامل الأطفال قبل الكبار على مدار الساعة؟! ولم تبت هذه الأجهزة الصغيرة، وبما تتضمن من آراء وأطروحات، قادرة على خلق رأي عام محلي وعالمي فحسب، بل وصلت بها الحال إلى التجهيز للثورات وإزاحة أنظمة حكم عشعشت على مدى نصف قرن، وسيطرت على مقدرات القوة العسكرية والاقتصادية والإعلامية وكتمت أنفاس الناس جيلاً بعد جيل.ومع الشعور الممزوج بين السعادة والأسى كان مقدراً للشعوب العربية أن تكون آخر الأمم على الكرة الأرضية تستقبل رياح التغيير، وتطل برأسها مطالبة بالحرية والديمقراطية والمشاركة في القرار المصيري من خلال التكنولوجيا العالمية التي تصدت لها أنظمة الحكم البالية بالحديد والنار، ولكن دون جدوى، وها هي تتساقط بذلّ ومهانة الواحد تلو الآخر، ليكون نظام القذافي محطة جديدة تمهد لانتصارات شعبية قادمة لا محالة.وفي الكويت ورغم أجواء الديمقراطية، واختفاء ظاهرة ما يعرف بسجناء الرأي منذ التحرير إلا ضيق النفس الحكومي من النقد، وبخاصة عبر التكنولوجيا المعلوماتية الجديدة بات يشكل هاجساً خطراً، بل يهدد سمعة الانفتاح السياسي والأسبقية التاريخية لأجواء الحرية التي اختارها الكويتيون في الأزمنة السياسية القاحلة التي شهدتها المنطقة العربية، بل عموم الشرق الأوسط والعالم الثالث.فملاحقة المدونين والاستمرار في تهديدهم بشكل مباشر، بل تعريض المغردين للاعتقال والحبس وحتى التعذيب والإهانة تحولت إلى سياسة حكومية، أما النفي المستمر لبعض المسؤولين وآخرها في الخدمة المدنية بعدم الملاحقة والتنصت والانتقام من المواطنين بسبب بث آرائهم أو انتقاداتهم، فهي مثيرة للسخرية والأسى في نفس الوقت، بل إنها كاذبة حتى النخاع، والشواهد على ذلك كثيرة، فقد تم فصل موظفين ووقف ترقياتهم وملاحقتهم قضائياً واستمرار حبسهم من خلال إجراءات صورية ووهمية لأشهر.وحرب الحكومة مع المغردين وشبكات التواصل الاجتماعي خاسرة في كل الأحوال لأنها خارج نطاق السيطرة من جهة، وتزيد عليها السخط يوماً بعد يوم وبعواقب قد تكون وخيمة.