انتقلت البلاد إلى مرحلة جديدة بعد صدور مرسوم حل مجلس الأمة نهاية الأسبوع الماضي، وأصبح الاستحقاق الانتخابي واقعاً، كما طالبتُ أنا وغيري أيضاً بتحكيم الناخبين ليقولوا كلمتهم الفصل في الأزمة السياسية والمواجهات التي شغلت الشارع وكل المنتديات الشعبية وعطلت معظم مناحي الحياة، وحتى يقول الشعب كلمته يجب أن تكون برامج ومطالب المعارضة التي بررت بها العودة إلى الناخبين واضحةً، وهو ما يتطلب أن يكون نواب المعارضة أو المقاطعة و"ارحل" ضمن قائمة انتخابية موحدة في انتخابات 2012.

Ad

وذلك لأن هذه الجبهة النيابية هي التي حملت شعار حل المجلس، ومَن يطالب بذلك لابد أن يكون لديه برنامج محدد بعناوين وشعارات واضحة يريد أن يستفتي عليها الناخبين، ولا يجوز أن تُستفتى الأمة على قضية ثانوية، خاصة أن قضية الإيداعات المليونية غير مثبتة بأحكام قضائية نهائية، حتى إن كانت، فإن الأمر كان يتطلب فصل المدانيين بهذه الأحكام وانتخاب بدلاء عنهم، وتحديداً للموضوع وعدم تشتت الأفكار، فإن الكويت تمر بمرحلة دقيقة ستُطرَح فيها خيارات مهمة، سمعنا بعضها في ساحة الإرادة وصرح بها نواب المقاطعة صراحة في أعقاب انطلاق أحداث التغييرات العربية في بداية العام الحالي، وهي الملكية الدستورية بما تشمله من حكومة منتخبة ورئيس حكومة من الشعب، وهي مطالب لم يُستفتَ عليها الشعب الكويتي، وربما بعض مَن عمل على حل مجلس الأمة كان يهدف إلى جعل هذه القضية عنوان حملته الرئيسية ليأخذ رأي الناخبين فيها، خاصة أن أركاناً مهمة في المعارضة تروّج لهذه المطالب، ومن أهمها تنظيم "نهج" وحزب الأمة والكاتب الصحافي أحمد الديين وأصحاب كتلة الإصلاح والتنمية من نائبي "حدس" جمعان الحربش وفلاح الصواغ، والإسلامي المستقل د. فيصل المسلم والنائبين السلفيين د. وليد الطبطبائي ود. محمد هايف، بالإضافة إلى نائب التيار المدني عبدالرحمن العنجري الذي يتبنى نفس الأفكار الخاصة بتطوير النظام السياسي في البلاد.

كل هذا الطيف كان لديه هذه المطالب بالإضافة إلى رحيل الشيخ ناصر المحمد عن رئاسة مجلس الوزراء، ورغم الثغرة الواضحة في جبهة المعارضة أو المقاطعة بغياب البرنامج الاجتماعي الاقتصادي وتعاملها بـ"القطعة" مع كل قضية على حدة، فإن الجمهور كان يحضر تجمعاتها على ما يبدو انسجاماً مع الشعارات الكبرى التي تطالب بالإصلاح الشامل للنظام السياسي الدستوري، لذلك فإن عودة أطياف المعارضة إلى الأسلوب التقليدي للانتخابات ببرامج وشعارات متناثرة ستكون بمنزلة خداع لجمهورها الذي ساندها في حركتها الاحتجاجية حتى إسقاط الحكومة وحل البرلمان لأهداف لابد أن تكون أوسع من شخص الشيخ ناصر المحمد، لأن عناصر الطيف الواسع المتباينة الانتماءات نحوا جميعاً خلافاتهم الفكرية والعقائدية من أجل هدف محدد، وهو إسقاط نهج الحكومات السابقة لا إسقاط شخوص طارئة، ولذلك فإن المعارضة مطالبة بقائمة انتخابية عنوانها "الملكية الدستورية" تتنافس مع مَن يرفض هذا التوجه والتجمعات المستقلة حتى يكون حكم الشعب واضحاً لمن طرح هذه التعديلات الأساسية في النظام السياسي وحتى تسمعه السلطة، وحتى تكون الأقلية التي سيرفضها الناخبون واثقةً من توجهات أغلبية الأمة، ودون ذلك فإن الانتخابات ستكون عملية عبثية لمَن دفع وحشد من أجل أن يقول الشعب كلمته في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة من تاريخ الكويت الحديثة، وسيكون المجلس المقبل امتداداً لحالة عدم الاستقرار والتناحر القائمة منذ سنوات في البلاد.