عقوبة الإعدام مرة أخرى

نشر في 17-10-2011
آخر تحديث 17-10-2011 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت في شهر سبتمبر وقعت ثلاثة أحداث مهمة تتعلق بعقوبة الإعدام في الولايات المتحدة، وكان الحدث الذي حظي بالقدر الأعظم من الدعاية والتغطية الإعلامية هو تنفيذ عقوبة الإعدام بولاية جورجيا في توري ديفيز الذي أدين بجريمة قتل مارك ماكفيل، وهو ضابط شرطة كان خارج ساعات الدوام، في عام 1989.

والواقع أن حكم الإعدام تم تنفيذه على الرغم من الشكوك الجدية التي أثيرت حول ما إذا كان مذنباً بهذه الجريمة، ففي وقت لاحق قال الشهود الذين أدلوا بشهادتهم في محاكمته إن ممثلي الادعاء أرغموهم على هذه الشهادة، حتى إن مؤيدي عقوبة الإعدام احتجوا على إعدامه، قائلين إنه لابد أن يحصل على محاكمة جديدة، لكن المحكمة رفضت التماساته، وفي كلماته الأخيرة أعلن أنه بريء.

إن القتل القضائي المتعمد لأي إنسان قد يكون بريئاً أمر مزعج للغاية، لكن الإعدام جاء متسقاً مع حدث وقع قبل أسبوعين فقط، في واحدة من المناظرات بين مرشحي الحزب الجمهوري الذين من المفترض أن يخوض أحدهم الانتخابات ضد الرئيس باراك أوباما في العام القادم، فقد ذَكَّر الحاضرون حاكم ولاية تكساس ريك بيري بأن حكم الإعدام تم تنفيذه 234 مرة أثناء فترة ولايته. ولم يسبق لأي حاكم آخر في العصر الحديث في واقع الأمر أن أشرف على مثل هذا العدد الكبير من عمليات الإعدام، ولكن الأمر الأكثر لفتاً للنظر هو أن بعض أفراد الجمهور صفقوا عندما ذُكِر عدد عمليات الإعدام المرتفع.

ثُم سئِل بيري عما إذا كان شعر بأي انزعاج إزاء احتمال أن يكون أحد الذين نُفِّذ فيهم حكم الإعدام بريئاً، فأجاب بأنه ينام ملء جفنيه بعد تنفيذ أحكام الإعدام، لأنه يثق تمام الثقة بالنظام القضائي في تكساس، ولكن من الصعب في ضوء سجل الأخطاء التي ارتكبت في كل الأنظمة القضائية الأخرى أن نبرر مثل هذه الثقة، فبعد أقل من شهر واحد أطلِق سراح مايكل مورتون، الذي أمضى مدة تقرب من 25 عاماً من حكم بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بقتل زوجته، من أحد سجون تكساس، وذلك بعد أن أظهرت اختبارات الحمض النووي أن رجلاً آخر كان مسؤولاً عن الجريمة.

وقرب نهاية شهر سبتمبر، أصدرت المحكمة العليا في أميركا حكمها في قضية مانويل فال، الذي حُكِم عليه بالإعدام قبل 33 عاما، فقد طلب فال من المحكمة وقف تنفيذ الحكم بإعدامه بدعوى أن قضاء هذه الفترة الطويلة في انتظار تنفيذ حكم الإعدام يُعَد "عقاباً قاسياً وغير عادي"، وبالتالي فهو محظور بموجب الدستور الأميركي.

ولقد أقر القاضي ستيفن براير بأن قضاء 33 عاماً في السجن في انتظار تنفيذ حكم الإعدام عقوبة قاسية، وفي دعمه لوجهة نظره هذه، أشار براير إلى الظروف "الوحشية" المفروضة على المحكوم عليهم بالإعدام، ومشاعر عدم اليقين "الرهيبة" عندما يصدر حكم بالإعدام ضد شخص ما ولكنه لا يعرف ما إذا كان الحكم سينفذ، أو متى، ثم ذهب براير إلى توثيق حقيقة مفادها أن هذه الفترة البالغة الطول في انتظار حكم الإعدام أمر غير عادي أيضا، والواقع أن هذه الفترة الطويلة حطمت كل الأرقام القياسية، رغم أن متوسط الفترة التي يقضيها من ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في الولايات المتحدة قد يبلغ خمسة عشر عاما؛ ففي عام 2009 كان 113 سجيناً ممن ينتظرون حكم الإعدام بين إجمالي 3173 قد أمضوا في السجن فترات تتجاوز تسعة وعشرين عاما.

لذا فقد رأى براير أن معاملة فال كانت غير دستورية، وأنه لا ينبغي أن يعدم، ولكنه لم يجد أي دعم لموقفه بين قضاة المحكمة العليا الثمانية الآخرين، وفي الثامن والعشرين من سبتمبر رفضت المحكمة طلب فال، وأعدم في نفس المساء.

إن الولايات المتحدة الآن هي الدولة الغربية الصناعية الوحيدة التي تبقي على عقوبة الإعدام على جرائم القتل، ومن بين خمسين دولة أوروبية فإن بيلاروسيا المعروفة بافتقارها إلى احترام حقوق الإنسان الأساسية هي الدولة الوحيدة التي لا تزال تنفذ عقوبة الإعدام في زمن السلم. وينظر ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية إلى عقوبة الإعدام باعتبارها انتهاكاً لحقوق الإنسان.

إن عقوبة الإعدام لا تشكل رادعاً فعالا، فمعدلات القتل في أوروبا وغيرها من الدول الصناعية الغربية أدنى كثيراً من نظيراتها في الولايات المتحدة، وفي أميركا ذاتها، فإن الولايات الست عشرة التي ألغت عقوبة الإعدام سجلت عموماً معدلات قتل أدنى من نظيراتها التي أبقت عليها.

ورغم ذلك فإن الردع في الولايات المتحدة ليس القضية الحقيقية في هذا السياق، ففي أغلب الأحوال يُنظَر إلى الانتقام باعتباره مبرراً أكثر أهمية لعقوبة الإعدام، فمن الشائع هناك أن يحضر أفراد أسرة الضحية تنفيذ عقوبة الإعدام في الشخص المدان بقتل قريبهم، وأن يعلنوا بعد ذلك عن شعورهم بالرضا لأن العدالة أخذت مجراها، ولقد تكرر ذلك مرة أخرى بإعدام تروي ديفيز.

أما في بقية بلدان العالم الغربي فإن الرغبة في مشاهدة تنفيذ الإعدام تُعَد على نطاق واسع شعوراً همجياً ويكاد يكون غير مفهوم على الإطلاق، والواقع أن فكرة عدم اعتبار أسر ضحايا القتل قضيتهم "منتهية" قبل أن يتم تنفيذ حكم الإعدام في القاتل لا تبدو حقيقة إنسانية عالمية، بل إن هذه الفكرة نتاج ثقافة بعينها، وقد لا تكون ثقافة أميركية في الإجمال، ولكنها ثقافة الجنوب الأميركي بشكل خاص، حيث يتم تنفيذ 80% من إجمالي أحكام الإعدام في الولايات المتحدة.

ومن عجيب المفارقات، في ضوء الاحتمال الوارد بأن تكون ولاية جورجيا قد أعدمت رجلاً بريئاً أخيراً، أن يكون الناخبون في الجنوب هم أكثر المتحمسين في بذل الجهود الرامية إلى حماية حياة البشر البريئة، ما دامت تلك الحياة داخل الرحم، أو كانت حياة شخص يعاني مرضاً عضالاً ويسعى إلى الحصول على المساعدة من طبيب لإنهاء حياته عندما يرغب في ذلك، وهو في واقع الأمر تناقض يكذب ما يروج له الحزب الجمهوري، الذي يهيمن على المنطقة، باعتباره "ثقافة الحياة".

* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري في جامعة ملبورن، ومن بين مؤلفاته كتاب «أخلاق حيوية»، وكتاب «الدائرة المتوسعة»، وكتاب «الحياة التي يمكنك إنقاذها».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top