أحبّتنا... يسرقون أعمارنا!!

نشر في 21-10-2011
آخر تحديث 21-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 مسفر الدوسري صديقي غاضب...

يشعر بأسى يترسّب في أعماق قلبه

يوشك قلبه أن يتدحرج من أعلى ككرة لهب

قال: إنهم يسرقون أعمارنا!!

قلت: من هم؟!

قال: أولئك الذين نحبهم...!!

نفخ في وجهي كرة لهب في شكل آهة، واستطرد:

نسقي جفاف طينهم ماء عيوننا،

نرتّل على أغصانهم الذابلة آيات عطائنا،

نسهر على مساءاتهم قناديلا تطرد عنها الوحشة،

نرتب الوسائد تحت رؤوس أحلامهم ونغطّي أجسادها الباردة بشراشف حناننا،

نقطف من شجرة أمانينا ما استوى من ثمرها ونطعمه شراهة خوفهم،

نحرث قفارهم المتيبّسة ونودع في أحضانها بذور الأغاني، ونمطرها الموسم تلو الموسم حبّا حتى تُورق، وتطرح فاكهة شهية ليأكلوها،

نقتطع زهورا من أعمارنا، ونزرعها في أعمارهم القاحلة لتصبح جنائن عامرة بالشذى

نأخذ راحة أيديهم المرتجفة ونخضّبها بحناء الأمان، ونشقُّ جزءا من دفء من أحضاننا نلفّ به شتاء أكفّهم الزرقاء ليسري بها الدّم،

نرمّم انكساراتهم بما يكون سببا في تصدّعنا!!

التفت إليّ فوجدني مُصغيا، ثم نفخ كرة لهب أخرى في وجهي وأكمل:

أليسوا هؤلاء من نسمّيهم أحبتنا؟!

نُفرغ ذاكرتنا، ونعبئها بهم، نسخّر كل مداد الذكرة لكتابتهم، وكل ألوانها لرسمهم،

نسمّي الشوارع بأسمائهم، ونسمّي المقاهي بأسمائهم، والأغاني، والأماني، ولحظات الفرح، ولحظات الحزن، ساعات الانتظار في مدن الصبر، أطفالنا الذين لم ننجبهم منهم، دفاتر يومياتنا، باقات الورد، روائح العطور، زرقة البحر، خُضرة الشجر...

كل ما تقع عليه حواسنا ننسبه لهم، وتصيح ذاكرتنا ظمأً للمزيد من طُوْفانهم بنا!!

حتى أيامنا نسمّيها بالمواعيد التي التقيناهم فيها، والأيام التي كنا على حافة فراقهم،

حدّق بي وسألني: أليس هذا ما يحدث؟!

مِلتُ بنظري عنه قليلا... وبقيت صامتاً... أكمل دون أن ينفث في وجهي إحدى كُرات اللهب هذه المرة:

نقف على شبابيك العمر حتى تنحني ظهورنا بانتظار ظهورهم،

وبعد أن تشيب ظفائر الانتظار، وينهش التعب مفاصلنا

يمرّون أمام شبابيكنا حتى دون أن يلمحونا، فنهرع خلفهم بنداءاتنا، وتضرُّعُنا، ورجائنا حتى يلتفتوا إلينا،

فإذا ما لحقنا بهم، أمسكنا بأيديهم

وأخذناهم من برد الطريق ملهوفين، وأدخلناهم دفء قلوبنا، وأجلسناهم أمام موقد مليء بحطب الشوق أعدّ للحظة وصولهم،

وددثّرناهم بكنزة صوفية مضينا العمر الماضي في حياكتها من خيوط الصبر، وأحسنّا مأواهم،

لم ندّخر حبا من أجل رعايتهم، ولم نضنّ بقمر عمر،

هؤلاء أحبّتنا...

نجدهم في برد الطريق، ضالين، أكلت الريح معظم ما يغطّي أجسادهم،

هزال تكاد عظامهم تبين خلف جلودهم،

شبه موتى إلا من بقايا أنفاسٍ متقطعة متهالكة

ونلتقطهم من جرف الموت إلى الحياة

... وإذا بهم فجأة يرحلون!!

بعد أن ننفق العمر من أجل بعث الروح بهم... فجأة يتركوننا ويرحلون؟! أليس في ذلك سرقة لأعمارنا التي لو وهبنا بعض مما وهبنا منها لهم لذئب متوحش، لأصبح كلباً وفيّا؟!

صَمَت قليلا... وشاركتُه الصّمت ثم قلت:

ألا يكفيك هذا فرحاً؟!

ألا يكفيك إحساساً منيراً أنك أحييت ميتاً؟!

لو أنك وجدت طائرا على حافة الموت، وأخذته وطبّبته، وأحسنت رعايته حتى عادت له الحياة، أترى أن شكره لك فقط في البقاء في قفص لديك؟!

إذا منحته الحياة، فامنحه الحرية، وإلا لا قيمة لما منحته!

العطاء يا صديقي لا يُكافأ بالعبودية.

back to top