بحثاً عن بحريني ما قبل 14 فبراير!

نشر في 14-02-2012
آخر تحديث 14-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 تركي الدخيل للصراعات منطقها، وللأزمات تكنيكها وواقعها، وقد مرت البحرين بأزمة ما بعد 14 فبراير، وهي أزمة تاريخية، أفرزت، في ما أفرزت، تصدعاً كبيراً، وتخندقاً في حزبين ألزما المجتمع البحريني أن يختار كل فرد فيه، أن ينحاز إلى أحدهما.

ومن منطق الأزمة صناعة رموز جديدة، ولأن التمذهب بات على أشده، وفي ظل انعدام شبه كامل للثقة بين الفريقين، ساد أصحاب الصوت العالي، فهم أئمة خندق التمذهب، شئنا أم أبينا، سواء مارسوا هذا السلوك بوعي، أو امتثلوا فيه للاوعي، أو حتى لمنطق صيرورة الأشياء وفق ما تشكلها الأحداث اليومية المضطربة.

غير أن هذا المشهد برغم سوداويته، استبطن بشكل مؤلم تحويل إنسان البحرين إلى شخص آخر، أفقده أهم ميزاته، وسلب أو كاد يسلب منه تسامحه ووسطيته واعتداله.

لم يكن البحريني قبل الرابع عشر من فبراير، إلا مسلماً يفهم الإسلام ديناً وسطياً معتدلاً، يبث السلام، وينشر المحبة، ويتصالح مع الآخر، وينفتح عليه، بوعي لا يفقده خصوصيته ولا يسلب هويته.

إن نجوم وقادة ما أدته أزمة 14 فبراير من فرز، ليسوا إلا أصوات التشدد في الجانبين، وهم الذين يحرصون على الجماهيرية، ويطربون للحشود، ويحسنون تغذية التخندق، فهو الذي يبقي نفوذهم على أشده، فهم لا يسودون في أجواء التسامح، ولا يتميزون في مناخات التقارب، ولا تبقى نجوميتهم في ظل الحوار.

لقد غاب على الراضين بمنطق التخندق في خندقين أحدهما شيعي، والآخر سني، أن أحداً من الفريقين لا يمكنه أن يضع الفريق الآخر في سفن ويبعثهم إلى الشاطئ الآخر، أو أن يملأ الباصات بالفريق الثاني ويرسلهم إلى البر المقارب، معلناً سيادة البحرين لصالح فئة واحدة!

إنه أمر مستحيل التحقق، وإن تمناه البعض في لجة الصراع، واحتدام المعركة!

قل إن شئت إنه حل تافه ولا يرتقي إلى منطق ولا عقل ولا واقع.

هل نستطيع أن نعيش في البحرين، وقد فعلنا قوائم المقاطعة وامتثلنا لافعال الأمر والنهي التي تصدر من هذا المعسكر أو ذاك، وفيها ما يجب أن تفعله عندما تشتري احتياجات بيتك، فهذا الخضرجي سني لا يليق بي بوصفي شيعياً أن أشتري منه، وهذا الكهربائي سني فيجب أن أتخطاه لأني شيعي!

قد نفعل ذلك مرة وثنتين وعشراً، لكننا سنتحول إلى عقول فارغة تنفذ أوامر كأنها صدرت في القرون الوسطى ويطلب منا امتثالها في عهد تويتر وزمن آيفون وفي عام 2012!

في أحدث زيارة لي للبحرين تأملتُ بفكرةٍ أشرك معي قراء هذه الزاوية بتأملها، وهي أن الأصوات العالية دائماً هي الأكثر انتشاراً، والأصوات الهادئة لا تسمع إلا قليلاً، وهذا بسبب الأيديولوجيا التي تسكن الأذهان! هناك أصوات تدعو إلى الطائفية والتخندق في خنادقها الضيقة، ولأنها تستخدم شعاراتٍ عادية لا تحتاج إلى كبير عناء في إطلاقها تنتشر هذه الأصوات، بينما لا تكاد تستمع إلى نبرات العقل ودعوات الهدوء التي تدعو إلى الوطنية وتبشر بالحياة. في البحرين المجتمع أساساً متسامح، وهو من أطيب الشعوب وأكثرها حباً للحياة وانجذاباً نحو السلام، وأرقاها قدرة على التعايش.

ستبقى البحرين بأصوات أبنائها الهادئة، أما الأصوات العالية فمهما انتشرت غير أنها تدخل إلى الأسماع لكنها لن تنفذ إلى العقول والقلوب، وهذا هو الفرق. بمجرد أن ننصت إلى أصوات العقل والمنطق والتنمية ننسى أصوات التصعيد والتفرقة والكراهية، فالبحرين قامت على أسس التسامح والطيبة وحب الحياة، أما دعاة الموت فلا مكان لهم في مستقبل البحرين، البحرين مكان حياة وغرس وإشعاع كانت كذلك وستظلّ كذلك وهي لا تزداد إلا تبختراً وجمالاً وبهاءً.

back to top