في تاريخ الشعوب أيام لا تنساها الذاكرة وتظل عالقة بها مهما طال الزمان وامتد، ومثال ذلك أيام الاستقلال والتحرر من الاستعمار التي تعتبر من الأيام الخالدة كما تعتبر تواريخ الخلاص من الطغاة وعودة الكرامة للمواطنين من التواريخ التي لا تمحوها الأحداث.

Ad

وإن يومي 23 يوليو 1952 و6 أكتوبر 1973 في مصر يوما فرح وفخار، ومن أعظم الأيام في تاريخ مصر الحديث، ويحق للمصريين جميعا الاحتفال بهما، وعلى الجانب المقابل فإن يومي 5 يونيو 1967 و28 سبتمبر 1970 يوما حزن وانكسار لا ينساهما المصريون.

فهل سيكون يوم 2/6/2012 إن صدر فيه الحكم فعلاً على الرئيس المخلوع- يوم عز وفخار أم يوم خزي وعار؟

لا أحد يدري كيف سيكون، فلا يعلم إنسان الحكم الذي سينطق به القاضي؟ وبما أن التعليق على أحكام القضاء ممنوع فسنحاول التعليق قبل صدور الحكم.

حظيت محاكمة الرئيس المخلوع بأوصاف كثيرة وأسماء متعددة منها ما هو زمني «محاكمة القرن» أو شخصي «محاكمة الفرعون»، أو نوعي «محاكمة الفساد»، وامتدت المحاكمة من 3 أغسطس 2011 إلى 2 يونيو 2012 في مرحلتها الأولى، ومن المتوقع أن ينقض الحكم سواء من جانب دفاع المتهمين إن حكمت المحكمة بالإدانة أو من جانب النيابة إن حكمت بالبراءة، وعلى هذا فالحكم النهائي لن يكون في هذا اليوم، ولكن في كل الأحوال سيظل هذا اليوم تاريخياً بالنسبة إلى المصريين.

استمرت المحاكمة 10 أشهر، أي ما يقارب 300 يوم، وتعدت صفحاتها- كما قيل- 40 ألف صفحة ويشفق الجميع على المستشار رئيس المحكمة من هذا الكم الكبير من الأوراق التي يجب عليه قراءتها وفحصها بكل دقة، ورغم ذلك فهناك على هامش القضية نقطتان جديرتان بالتعليق:

هل المحاكمة جنائية أم سياسية؟ الشعب يريدها سياسية واختارت النيابة أن تكون جنائية فالتزم القاضي بذلك من جهة القرائن والأدلة والتحقيقات، ولكنه للأسف تعامل مع المتهمين سياسياً أو تبعاً لوضعهم ومكانتهم السياسية قبل الأحداث؛ فحظي الرئيس المخلوع بمعاملة خاصة لا ينالها غيره من المتهمين في قضايا جنائية أخرى، وأعتقد أن هذه هي الإشكالية التي أوقع القاضي نفسه فيها، فالمتهمون يحاكمون جنائياً ويعاملون سياسياً والشعب يريد محاكمتهم سياسياً ومعاملتهم جنائيا... فكيف يكون الحكم؟ وبماذا سينطق القاضي؟

أما النقطة الأخرى فهي متعلقة بما تم في الجلسة الأخيرة والخاصة بالامتيازات غير المقبولة والمستفزة التي ينالها المتهم الأول والمعاملة الخاصة جداً، والتي لم يمارسها نفس القاضي مع متهمين آخرين في قضايا أخرى. ولن أتحدث عن وضعه في المركز الطبي العالمي وتوفير العناية الطبية الفندقية له- وليست العناية الطبية العلمية التي هي حق لكل متهم- فكل ذلك يعرفه الجميع وانتقدوه ولكن سأكتفي بمشهد واحد من الجلسة الأخيرة التي كانت مخصصة، كما قال القاضي لسماع تعقيب المحامين والمتهمين ثم التعقيب الأخير القصير من النيابة، وفوجئ الجميع بمحامي المتهم الأول يقدم لرئيس المحكمة خطاباً (مغلقاً) من المتهم الأول لسيادته وبدلا من أن يقرأه رئيس المحكمة علانية ليعلم الجميع وأولهم النيابة، ماذا حوى هذا الخطاب وليتم الرد عليه، اكتفى القاضي- للأسف- باستلام الخطاب، وقام محامي المتهم الأول بمحاولة عاطفية فاشلة لم تستدر عطف أحد، والسؤال: هل يحق للقاضي أن يحتفظ لنفسه بحديث المتهم، الذي يعتبر أهم مستندات القضية وألا يعلنها للنيابة ومحامي الشهداء؟ هل يعقل هذا؟ هل يحدث في أي قضية أخرى؟

إن هذا الخطاب مستند بالغ الأهمية ولا يمكن الاعتماد على تسريبات هنا أو هناك، ويجب أن يعلم الشعب كله على وجه اليقين ماذا قال المخلوع في خطابه؟ وبماذا دافع عن نفسه؟ وكيف برر جرائمه؟ وكيف وصف الثورة؟ ورأيه فيها؟

عذراً سيادة القاضي، فقد أخطأت كثيراً بعدم قراءة الخطاب علانية... ومازلنا في انتظار حكمك. أما الرئيس المخلوع الذي تذوق الشعر «على كبر» فنذكره بقول الله تعالى: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا»... صدق الله العظيم.