الفساد لدينا في بلاد الذهب الأسود له إبداعاته وشؤونه وشجونه. وهو بكل الأحوال له وظيفة، كما يقول الوظيفيون. حكاية "نواب غيت" التي قفزت على السطح في إطار التطاحن السياسي في أعلى الهرم السياسي ليست جديدة، كحكاية، ولكنها بالتأكيد جديدة كإجراء، حيث أحسنت جريدة "القبس" بإثارة الموضوع لكي يبدأ الناس والنواب والأوساط العامة بتداوله وتمحيصه. وحدها تلك "الرشيدة" المسماة "حكومة" أو العكس ظلت صامتة صمت القبور، لا علاقة لها بشيء، لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم، مع أنها هي ربما الطرف الآخر للمعادلة.

Ad

على أية حال، حكاية "نواب غيت" كأنها "حظرة" حيث تجمع بها السمك بتلاوينه المتماثلة، فكل الألوان هي لون واحد، يونيفورم حكومي، وكأنها مدرسة ابتدائية.

القانون الذي خالفه، أو ستخالفه مجموعة "نواب غيت" هو القانون رقم 35 لسنة 2002، وهو قانون في الأساس مصنوع لمكافحة غسل الأموال، فهل يعقل أن لدينا هذا العدد الغفير من النواب يقومون بغسل الأموال؟ سؤال تَبادر إلى ذهني وأنا أستعرض العدد والأسماء، والتي أظن بعد التأمل والتفكير فيها أن نوابنا الأفاضل لا يمكن أن يكونوا قد غسلوا الأموال دع عنك غسلهم لأشياء أخرى. قانون مكافحة غسل الأموال فيه شق جنائي وحيد، وهو إخفاء أو تمويه المصدر المشروع للأموال، فإن كان المصدر معروفاً ومشروعاً فإن التهمة الجنائية تسقط وتتهاوى كصخر من على قمة جبل. ولذا وحيث إن نوابنا الأفاضل من المستَبعَد أن يكونوا ضالعين في غسل الأموال فإنني أتوقع أنهم سيتعاونون مع التحقيق ويبلغون النيابة عن مصدر الأموال التي جاءتهم هكذا فجأة، فإن حدث ذلك، وهو مستبعَد، ولكن إن حدث، فإنهم يخرجون من الشق الجنائي كما ولدتهم أمهاتهم، ولكن سيبقى على المجتمع التعامل مع الشق السياسي، أي مع المصدر المشروع أو غير المشروع، لا فرق، وآه من المصدر ذاك.

هناك حل أخير لمجموعة "نواب غيت" وهو أن يجتمع سمك "الحظرة" في أحد الجواخير، ربما ليبلغوا النيابة أن مصدر الأموال هو كنز موجود في "جبل واره" وأن يأتوا بشهود على ذلك، ولتأكيد ذلك يحفرون حفرة هناك ويستعينون بمصدرهم الأصلي لشوية ملايين ويضعونها في ذلك المكان، ويأتون بالمباحث لإثبات حالة إيجاد كنز. هذا الحل ربما يعفي مجموعة "نواب غيت" من الشبهة الجنائية، فمصدر المال أصبح مشروعاً كما هي حكايات ألف ليلة وليلة، وكذلك فإن المصدر الأصلي ابتعد عن الحرج السياسي.

هذا من جانب، أما الجانب الجاد في الموضوع فإن كل المسألة الآن ستكون في ملعب وحدة التحريات بالبنك المركزي، فهو الذي سيعطي الرأي الفني، وهو ذات البنك الذي قيل لنا يوما إنه يراقب الإيداعات بالبنوك على كل عشرة آلاف دولار، فكيف فات من شبكة "الحظرة" ملايين وملايين الدينارات، سؤال لن يجيب عنه إلا الأغبياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.