كم تشبهنا أيها البرلمان الجديد!
اقتبستُ هذا العنوان من موقع الكاتب صلاح الساير على الـ"فيس بوك" ضحى اليوم التالي للانتخابات البرلمانية، وذلك لأن عبّر عما في نفسي أكمل تعبير. فهل ينضحُ الإناء إلا بما فيه؟! كنتُ قد توجهت يوم 2 فبراير إلى مقر الاقتراع في الدائرة الثالثة، متحاشية كل إغراءات المتجمهرين عند أبواب المقرّ الانتخابي لحملي على انتخاب فلان أو علان من المرشحين. ذلك أنني كنتُ قد قررتُ أن أختار أربع نساء دفعة واحدة، في محاولة مني لنسفّ المشهد الميلودرامي الذي غرقنا في وحله في الفترة الأخيرة من عمر البرلمان الراحل غير المأسوف على شبابه!
لديّ يقين لا يتزحزح – ولعله يقين عام عند كل ذي بصيرة – في كون المرأة تميل إلى إشاعة السلام وأخذ السفينة إلى برّ الأمان وتنفر من الحروب والصراعات. ناهيك عن حبها للاستقرار والأمن، وميلها إلى التضحية وتغليب المصلحة العامة على مصلحتها الشخصية، وإخلاصها للعمل متى أحبته واستعدادها الدائم للعطاء بلا مقابل أو منّة. ولعل الميزة الأكثر وضوحاً في شخصها الأنثوي ما تساهم فيه من خفض نسبة الاسفاف في لغة الخطاب والسلوك والتقليل من ظاهرة اللهجة الحادة والصوت العالي. وأخيراً لأنها بحكم فطرة الأمومة الرؤوم أكثر خشية وحنواً على البلاد والعباد. ورغم كل هذه المسلمات البدهية حول شخصية المرأة ، إلا أن لمجتمعِ مثل مجتمعنا حسبة أخرى ورأياً آخر حول كينونة المرأة. ويبدو أنه رأي متجذر لا تؤثر فيه تقلبات العيش ولا رياح المتغيرات! وإن كان الترويج الدعائي للمرأة والضغوط الخارجية والدعم الحكومي قد آتت أكلها جميعاً في البرلمان السابق، فإن الأمر يبدو الآن وكأن حليمة قد عادت الى عادتها القديمة! وعادة حليمة القديمة هي عادة التوجس والقلق إن لم يكن الحرج إزاء وضع المرأة، منذ أن نشأ هذا المجتمع وخرج من رحم الحياة. فكل شأن للمرأة لابد أن يمرّ بصراع مرير بين القبول والرفض، وإن تم القبول فعلى مضض وكراهة. هكذا كان الحال لدينا وحولنا طوال المعارك التي دارت رحاها في شأن المرأة: معارك تعليمها، معارك حجابها أو سفورها، معارك سفرها بمحرم أو بدونه، معارك قيادتها للسيارة، معارك حقوقها السياسية، معارك توليها للمناصب والمراكز... إلخ. وحين نخص مجتمعنا المحلي بالنظرة الفاحصة، نجد أن المتغيرات الحضارية التي هبت علينا منذ الخمسينيات نتيجة الوفرة المالية لعائدات النفط وما أعقبها من انفتاح وتفاعل مع أدوات الحضارة وقيمها الجديدة ، لم تستطع أن تصل إلى جذور التقاليد الضاربة في العمق. فظل التذبذب والتناقض هما سيدا الموقف في ما يخص وضع المرأة. فالمجتمع المدني وإن بدا منذئذ منسجماً ومواكباً لخطط التنمية وسياسات التعليم ومنطلقاً للنهوض بالإنسان والحفاظ على حقوقه ورفاهيته، إلا أن تلك النهضة في شقها الثقافي/ الاجتماعي لم تمس غير السطح ولم تضرب عميقاً في فكر المجتمع وقناعاته. ففي الوقت الذي كانت فيه سياسات التعليم تقوم على المساواة بين الجنسين والإعداد لدور المرأة الفعلي للمشاركة في التنمية والوظائف العامة، وفي الوقت الذي نصت فيه مواد الدستور على المساواة والمحافظة على حقوق الإنسان وكرامته، نجد في حالة التطبيق والتنفيذ تردداً وتململاً وجنوحاً نحو تحجيم دور المرأة خاصة وإبقائها في الظل، والمحافظة على خفوت صوتها وتقليل أثرها في الوظائف القيادية والمواقع المؤثرة والتمثيل السياسي. ويبدو أن مجلس الأمة كمكان وككيان مؤسسي كان الموقع الأكثر تمظهراً للذكورة القُحة، بكل ما تم تكريسه من أدبيات اللغة الخشنة المجافية للذوق، والصراع اللفظي والسلوكي والتكتيكات الخبيثة وتبادل الاتهامات والفضائح. وكأن البرلمان بهذه الصبغة الذكورية القاسية صورة طبق الأصل لميدان معركة أو ساحة حرب يقتتل فيه المحاربون على الغنائم والأسلاب، ويمارسون أقسى أساليب الضراوة والفتك في سبيل الوصول إلى الانتصارات والمصالح. فأي مكان للمرأة في هذا المعترك الذي لا يشبهها في شيء؟! وإذا أضفنا إلى ما سبق بروز التيارات الإسلامية بقوة، وتأثيراتها الكبيرة في توجهات المجتمع وأنماطه الفكرية وتصوراته عن دور المرأة في الحياة، واعتبارها – في الأعم الأغلب– آلة خدمة ومتعة وإنجاب، فإن الصورة عن مستقبل المرأة السياسي تبدو محبطة وقاتمة.