"تخلص من همومك بوضعها في جيب مثقوب"... مثل صيني.

Ad

على الرغم من جهلي باللغة الصينية وعدم زيارتي إلى الصين فإن قراءتي لنظريات العلاقات الدولية وسبل تطويرها، واهتمامي بصعود الدول واستعادة مكانتها كلاعب رئيسي في المجتمع الدولي دفعني إلى محاولة قراءة المتغيرات "الصينية" على الساحة الدولية... "قراءة بسيطة".

تصاعد الاهتمام بملف العلاقات الخارجية الصينية هذا العام, ونال اهتمام المراكز البحثية الدولية, ومثلما استرعت علاقات الصين بدول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، وعلاقتها التاريخية بالكويت بشكل خاص الاهتمام في السابق، يلتفت الباحثون اليوم الى تغيير "أدوات" العلاقات الخارجية الصينية لاجتذاب اهتمام المجتمع الدولي.

ولو بحثنا عن سبب خصوصية العلاقة مع الكويت لعدنا إلى فترة الستينيات عندما سعت إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الصين, مسجلة بذلك المركز الأول ضمن دول الخليج بتبادلها الدبلوماسي مع الصين, وملتزمة بخطها السياسي المعتدل فور استقلالها، واستمرت العلاقات وأخذت منحى جديدا عام 2004، حينما ترأست الكويت منظومة التعاون، ورسمت خطوطا عبر الدبلوماسية الاقتصادية بالتوجه شرقا، واحتضان لقاءات متعددة في دول الشرق.

أما اليوم وبعد متابعتي للقاء الصيني الألماني، والذي يعتبر بالنسبة إلي درسا في العلاقات الدولية, فقد جاء اللقاء ضمن زيارة رئيس الوزراء الصيني أخيرا إلى المجر وبريطانيا وألمانيا، وتحققت من خلال الزيارة المعادلة الدبلوماسية التالية:

- 13 وزيرا صينيا + 10 وزراء ألمان= 22 اتفاقية تعاون و14 صفقة اقتصادية.

وهنا نتساءل: كيف استطاعت الصين، على الرغم من عدم اعتراف المجلس الأوروبي بتبنيها لاقتصاد السوق، وإصراره على فرض ضرائب على انبعاثات الكربون إلى جانب انتقاده للنظام الصيني ذي الحزب الأحادي، والذي يتنافى مع معايير الديمقراطية، وامتعاض الصين من استقبال ميركل للدلاي لاما... كيف استطاعت أن تقوي روابطها مع الاتحاد الأوروبي؟

اتخذت الصين خطوات متعددة، فبدأت برسم آلية للتشاور مع القارة الأوروبية، مستخدمة أدوات جديدة لتحديث سياستها الخارجية:

الخطوة الأولى، حسب تقرير لمجلة "الإيكونوميست"، هي من خلال الاستعانة بذوي الخبرة للوصول إلى سبل إنجاح الزيارة والاستفادة منها, فأصدرت تقريرا أو ما يسمى الكتاب الأبيض قبل الزيارة معلنة الوزن الصيني والأوروبي دوليا.

أما الخطوة الثانية فهي عبر إطلاق سراح معارضين صينيين إرضاء لأوروبا، واحتراما للقيمة المتصاعدة لحقوق الإنسان لدى المجتمع الدولي، فما كان من المجلس الأوروبي إلا أن أصدر بيانا رحب فيه بالزيارة, الأمر الذي ساعد في إقبال الشركات الألمانية على الاستثمار في الصين, وإبرام اتفاقيات في مجالات عديدة كإدارة المستشفيات وصناعة السيارة الكهربائية وغيرها.

نستخلص من ذلك كله أنه، على الرغم من محاولات بعض الدول إخفاء مخاوفها أمام قدرات التنين الصيني "الصاعد بسلام" حسب تعبير باري بوزان المتخصص في العلاقات الصينية الأوروبية بجامعة لندن للاقتصاد والسياسة, وخشيتها من سياسة ابتلاع وإغراق السوق، إلا أن الصين استطاعت الوصول بسلام إلى أوروبا غير متناسية أهميتها بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي لقدرتها على احتواء طموحات نووية في منطقة الشرق، واحتواء النظام الكوري أيضا, فلعبت دورها باحتراف في "هندسة" علاقاتها بالاتحاد الأوروبي بشكل عام وألمانيا بشكل خاص, الأمر الذي يضع أمامنا درسا في العلاقات الدولية وفنون تحويل العقبات التي تواجهها السياسة الدولية إلى فرص ومزايا.