لا ضرورة إطلاقاً للاستنفار رداً على مرشح الرئاسة الأميركية عن الحزب الجمهوري نيوت غينغرتش، الذي وصف الشعب الفلسطيني في مناظرة تلفزيونية ضمت باقي المرشحين الجمهوريين بأنه "مخترع" وغير موجود!! وأن الفلسطينيين "إرهابيون يريدون تدمير إسرائيل"، فالرد يعطي هذا الرجل الأرعن، الذي مثله كثيرون في الولايات المتحدة، قيمة لا يستحقها، ثم إنه قد قال كل هذه السخافات التي قالها من أجل استدراج ردود أفعال نزقة، كي يلفت أنظار الإسرائيليين كما يفعل في العادة كل مرشحي الرئاسة الأميركية ومن بينهم "صديقنا اللدود" باراك أبوعمامة!

Ad

كل ما قاله غينغرتش هذا كان قد قاله بنيامين نتنياهو الذي ورث كل ما ضمنه كتابه "مكان تحت الشمس" عن أبيه الذي هو أحد تلامذة "جابوتنسكي"، أحد أكبر عتاة التعصب والتطرف الصهيوني، فالقول إنه لم تكن هناك فلسطين كدولة وإنها كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وإن الفلسطينيين كانوا جزءاً من المجتمع العربي، كنا قد سمعناه كثيراً، وكان الأميركيون قد سمعوه، ولكنهم بالتالي سمعوا اعترافات رؤسائهم اللاحقين بدولة لهذا الشعب الذي سينتزع حقه بإقامة هذه الدولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 على الأقل.

إن مشكلة غينغرتش وأمثاله أن لديهم عقدة نقص تجاه اليهود بالأساس، فهم من خلال قراءة التاريخ عرفوا كم أن هؤلاء، أي اليهود، قد عانوا في البلدان الأوروبية التي جاء منها إلى أميركا أجداد كل الذين بالغوا ويبالغون في تبني المواقف الصهيونية، والمفترض أن مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية هذا كان قرأ تاريخ "الهولوكوست" وتاريخ آباء وأجداد من يدافع عنهم الآن رياءً ونفاقاً، في معظم الدول الأوروبية.

ربما أن هذا الـ"غينغرتش" لا يعرف بحكم ثقافته السطحية أن الشعب المخترع اختراعاً هو الشعب الإسرائيلي، الذي مُنح وعداً عشية الحرب العالمية الأولى لإقامة دولة في هذا الوطن الذي هو وطن الفلسطينيين منذ آلاف السنين، وذلك للتخلص من اليهود ومشاكلهم في أوروبا كلها على غرار ما فعله البريطانيون، عندما جمعوا نزلاء السجون عندهم من المجرمين واللصوص وتخلصوا منهم بإرسالهم إلى أستراليا ونيوزيلندا وأماكن أخرى تبعد عن الجزيرة البريطانية عشرات ألوف الأميال.

ربما أن غينغرتش هذا لا يعرف أن الولايات المتحدة كانت حتى وقت قريب قياساً بأزمنة التاريخ جزءاً من الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عن أملاكها الشمس حتى "يعيب" على الفلسطينيين بأنهم كانوا جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وأن فلسطينهم كانت جزءاً من أملاك هذه الإمبراطورية، وربما أن هذا الـ"غينغرتش" لا يعرف أيضاً أن هذه الدولة الهندية العظيمة كانت قبل نحو ستين عاماً فقط تتبع التاج البريطاني، وهذا ينطبق على العديد من الدول الإفريقية، وأن سود جنوبي إفريقيا لم تكن لهم دولة في هذا الجزء من الكرة الأرضية، وأن هذا لا يعيبهم، وأنه لا ينتقص من حقهم في أن يفرضوا أنفسهم على الخريطة الديموغرافية في بلادهم ويقيموا هذه الدولة النموذجية، التي من المفترض أن تقوم مثلها على المدى الأبعد دولة واحدة لليهود والفلسطينيين في هذه الأرض التي كانت فلسطينية حتى قبل فجر التاريخ.

ثم إن المؤكد أن غينغرتش هذا العنصري الأرعن لا يعرف أن الفلسطينيين ساميون مثلهم مثل اليهود، وأن اليهود لم يكونوا غرباء في هذا الوطن العربي الكبير قبل وعد "بلفور" ومؤامرة سايكس-بيكو، وأن العرب ومن ضمنهم الشعب الفلسطيني باتوا يعترفون بحل إقامة دولتين تعيشان بسلام على أرض فلسطين دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 ودولة إسرائيلية على حدود عام 1948، وكذلك فإن المؤكد أن مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية لا يعرف أيضاً أن الإسلام يعترف باليهودية ويعترف بـ"موسى" عليه السلام نبياً كاعترافه بالمسيح ابن مريم الذي لا يعترف به اليهود حتى الآن.