قرار المحكمة الدستورية

Ad

القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية يوم الخميس الماضي الموافق 20 أكتوبر سنة 2011 وفي طلب التفسير رقم 10 لسنة 2011 المقدم من مجلس الوزراء لتفسير نصوص المواد 100 و123 و127 من الدستور، من أن كل استجواب يراد توجيهه إلى رئيس مجلس الوزراء ينحصر نطاقه في حدود اختصاصه، في السياسة العامة للحكومة، دون أن يتعدى ذلك إلى استجوابه عن أي أعمال تنفيذ تختص بها وزارات بعينها، أو أي عمل لوزير في وزارته.

الالتجاء إلى المحكمة الدستورية كان أمرا ضروريا

وكنت قد كتبت في مقال نشر لي على هذه الصفحة في عدد «الجريدة» الصادر في 5 يناير سنة 2011، أن الالتجاء إلى المحكمة الدستورية لتفسير نص المادة 123 من الدستور، بما يقيم التوافق بينها وبين النصوص الدستورية الأخرى التي يقوم عليها نظام الحكم هو الذي سوف يضع الحدود الفاصلة بين مسؤولية الوزير السياسية والمسؤولية السياسية لرئيس مجلس الوزراء.

بعد أن تناولت هذا الموضوع وشبهة عدم الدستورية التي تحيط به في أكثر من مقال على هذه الصفحة، تحت عنوان «الاستجوابات .... واستقرار الحكم» في عدد «الجريدة» الصادر في 14 أبريل سنة 2009، وتحت عنوان «الاستجواب... وتنقيح فعلي للدستور» في عدد «الجريدة» الصادر في 6 يونيو سنة 2010، وتحت عنوان «المادة 123 من الدستور العباءة الدستورية للمساءلة السياسية لرئيس مجلس الوزراء»، وتحت عنوان «الاستجواب والمنعطف الدستوري الخطير» في عدد «الجريدة» الصادر في 3 يناير 2011، وتحت عنوان «الاستجواب والإجابة عن أسئلة مطروحة» في عدد «الجريدة» الصادر في 5 يناير سنة 2011، وتحت عنوان «توازنات في الدستور تفقد قيمتها» في عدد «الجريدة» الصادر في في أول مايو سنة 2011.

احترام الدستور

كما قلت في مقال «الاستجواب وتنقيح فعلي للدستور» و»أجزم أن سمو رئيس مجلس الوزراء لن يدفع مسؤوليته السياسية، باختصاص وزراء آخرين عن الموضوعات محل الاستجواب، لأنه قادر على الرد على الاستجواب، وقادر على أن يتحمل المسؤولية السياسية عن أي قرار من وزارته.

لكن الأمر لا يتعلق بقدرة رئيس مجلس الوزراء أو حرصه على الدفاع عن وزرائه، بل يتعلق بنصوص ومبادئ دستورية لا يجوز إهمالها».

تهديد استقرار الحكم

وقلت في نهاية المقال، ولا أكتم خشيتي من أن تؤدي الاستجوابات الموجهة إلى رئيس مجلس الوزراء إلى تنقيح فعلي للدستور، بتعديل المسؤولية الفردية للوزراء أمام مجلس الأمة إلى مسؤولية تضامنية، يطرح فيها عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، بديلا عن طرح الثقة بالوزير المسؤول، وهو أمر يهدد استقرار الحكم.

اختيار الحكومة خيار المواجهة

إلا أن الحكومة كانت قد اختارت خيار مواجهة الاستجوابات والتعامل معها، ولم يعد خيار مناقشة الاستجواب خيارا مستبعدا أو مستهجنا، خاصة وقد وافق مجلس الأمة على طلب الحكومة عقد جلسة مناقشة استجواب كل من سمو رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع في جلسة سرية.

تأجيل الاستجواب

ويبدو أن الحكومة قد رأت بعد تقديم استجواب النائبين أحمد عبدالعزيز السعدون وعبدالرحمن العنجري في 10 مايو سنة 2011 إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، أن تلجأ إلى المحكمة الدستورية بطلب التفسير السالف الذكر، وفي اليوم الذي أودعت فيه الحكومة طلب التفسير قلم كتاب المحكمة، وهو يوم 17 /5/2011 تقدمت الحكومة إلى مجلس الأمة بطلب تأجيل مناقشة الاستجواب إلى أن يصدر قرار المحكمة الدستورية في طلب التفسيرالسالف الذكر، فقرر المجلس تأجيل نظر الاستجواب لمدة سنة، أو لحين صدور قرار المحكمة الدستورية في طلب التفسير السالف الذكر، إن صدر قبل ذلك.

مصير الاستجواب

وترتيبا على ذلك فقد سقط الأجل المحدد لمناقشة الاستجواب، الأمر الذي يتوقع معه، أن يتم نظر الاستجواب في أول جلسة تعقد في دور الانقعاد القادم، مع الرسالة التي وجهها رئيس المحكمة الدستورية إلى كل من مجلس الأمة والحكومة، مرفقا بها قرار المحكمة الدستورية السالف الذكر ليقرر المجلس، في ضوء هذا القرار، ما إذا كانت محاور الاستجواب المقدم من النائبين، قد تعدت حدود السياسة العامة للحكومة التي يسأل عنها سياسيا رئيس مجلس الوزراء، وذلك من خلال التصويت على اقتراح بالانتقال إلى جدول الإعمال، والذي من المتوقع موافقة أغلبية الأعضاء عليه، خاصة أن عدد من وافقوا في جلسة مجلس الأمة المعقودة بتاريخ 17/5/2011 على تأجيل نظر الاستجواب لمدة سنة أو لحين صدور قرار التفسير السالف الذكر قد بلغ 39 نائبا من بينهم الوزراء بطبيعة الحال، أي أن شبهة عدم دستورية الاستجواب كانت ماثلة أمام من وافق من النواب على قرار التأجيل.

وكان النائب الدكتور يوسف الزلزلة قد قرر أثناء مناقشة طلب التأجيل أن محاور الاستجواب المقدم إلى رئيس مجلس الوزراء، هي في مسائل يختص بها وزراؤه، ودلل على ذلك بأن محور شركة «زين» المسؤول عنه وزير المالية، والقضية البيئية متعلقة بنائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، ومحور أبو فطيرة متعلق بوزيري المالية والبلدية.

قرار المحكمة الدستورية ملزم

ومن الجدير بالذكر أن قرار المحكمة الدستورية شأنه شأن الأحكام القضائية التي تصدرها هذه المحكمة هو قرار ملزم للمجلس، وهو ما بينته في أسباب حكمها إذ قررت.

«أن ما تصدره المحكمة من قرارات لدى استنهاض اختصاصها في هذا الصدد هي ليست بالقطع آراء مجردة غايتها إثراء الفكر القانوني، وإنما هي بقصد الكشف عن دلالات النصوص الدستورية محل الطلب- بمراعاة موضعها من سياق باقي النصوص التي تتكامل معها- وتحديد مفهومها تحديدا جازما، حسما لما ثار حولها من خلاف بقرارات ملزمة للكافة، نافذة في شأن جميع سلطات الدولة.

سابقة برلمانية

وهناك سابقة برلمانية عندما انتقل مجلس الأمة إلى جدول الأعمال، عندما نظر الاستجواب المقدم من السيد العضو خليفة طلال الجري في عام 1982 الموجه إلى وزير الصحة بطلب تزويده بأسماء المرضى الذين أوفدتهم الدولة للعلاج بالخارج ونوعية العلاج، عندما أصدرت المحكمة حكمها بجلسة 18/11/1982 في طلب التفسير رقم 2 لسنة 1982 الذي قررت فيه بأن الحق في الرقابة البرلمانية سؤالا كان أم استجوابا يقف في مقابله حق الفرد في حماية خصوصياته، وأن إجابة الوزير عن السؤال البرلماني الخاص بأسماء المرضى هو انتهاك للحق والخصوصية.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.