لو تخيّل أي منا حجم معاناة البدون في بلد كالكويت لما نام نومة مستقرة، ولكنها الازدواجية وفقدان المسطرة الواحدة حين تعشش في النفس البشرية.
مشكلة البدون عندنا مختلفة عن كثير من دول العالم. فقد اتضح لي من خلال دراسة مقارنة أجريتها عن ظاهرة انعدام الجنسية في العالم أو كما نسميها نحن «البدون»، أننا نختلف عن معظم الدول. كيف؟غالبية دول العالم تكون فيها فئة البدون مضطهدة من الأساس لأسباب تمييزية كالعرق أو الدين أو اللغة أو الأصل الوطني، وبالتالي فإن حزمة الاضطهاد تكون متراكمة ومستمرة على مدى عقود. وهو أمر يعقّد إمكانية الحل. أما بالنسبة للكويت فقد ظل البدون يعاملون معاملة شبيهة للكويتيين حتى سنة ١٩٨٦. وبدلاً من الاستفادة من اللحظة التاريخية المتمثلة بالغزو لتحديد ولاء الناس لوطنهم، سواء أكانوا «بدون» أو غير ذلك، تمادت السلطة في سياستها غير المجدية ظناً منها أن الضغط والتشديد والحرمان سيؤدي في نهاية الأمر إلى إخراجهم لجنسياتهم الأصلية. حقيقة الأمر هي أن الجهاز الأمني أياً كانت مرجعيته، كان يقوم بقصد أو غير قصد بتقويض أركان أمن البلد. اتضح ذلك بشكل واضح من التقرير السري الذي عبر فيه جهاز أمن الدولة عن قلقه من الوضع الصعب الذي كان يمر به البدون حينذاك، مطالباً بإنهاء سياسة التشدد، فما بالك بأوضاعهم في الوقت الراهن.من الواضح أن الحلول الحكومية عبر ٢٥ سنة مضت لم تكن تملك أدنى رؤية حتى لأي حل جزئي ضاربة عرض الحائط حتى باحتياجات الدولة الأمنية دع عنك اعتباراتها الإنسانية. وقد حولت المعالجة الحكومية الركيكة قضية البدون من إنسانية إلى مأزق سياسي معقد. فلم تكن الحلول المقدمة أكثر من تغيير اسم المشكلة من «بدون جنسية « إلى «بدون» إلى «غير كويتي» إلى «غير محدد الجنسية» إلى «مقيم بصورة غير قانونية « ولا نعرف ماذا بجعبة أولئك العباقرة من مسميات جديدة. وهكذا قرر عباقرة البيروقراطية أن حل قضية البدون يتم فقط من خلال تغيير اسم القضية، وكلما زاد الضغط الدولي تفتقت أذهان عباقرتنا عن مسمى جديد.ودون تفاصيل فإنه لن يكون هناك حل إلا من خلال المنظور الإنساني، أما الحل الأمني أو السياسي فلكل منهما مشكلته، وإن مجرد الظن أن أياً منهما قد يحل المشكلة هو ظن آثم للأسف وفيه مضيعة للوقت وهدر للكرامة.من يريد الحفاظ على أمن البلد عليه الإسراع في حل المشكلة إنسانياً وعدم تركها لزمن قد لا يرحم الذين ظلموا منكم خاصة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخر كلام
مأساة البدون
17-12-2011