أكان خامنئي متسرعاً أم وقع ضحية مكيدة؟
اتهمت وزارة العدل الأميركية يوم الثلاثاء عملاء من الحكومة الإيرانية بالتورط في مخطط اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة، بمساعدة عضو مزعوم في اتحاد تجار المخدرات في المكسيك.صدر هذا التحذير بينما نقلت قناة "إيه بي سي" الإخبارية، على لسان مسؤول مجهول الهوية، أن المؤامرة كانت تشمل أيضاً خططاً لتفجير السفارة الإسرائيلية في واشنطن، فضلاً عن السفارات التي تعود إلى المملكة العربية السعودية وإسرائيل في بوينس آيرس، في الأرجنتين. من الواضح أن ثبوت الاتهامات الأميركية ضد إيران سيتوقف على نوعية الأدلة الموجودة في متناول الحكومة الأميركية، لكن إذا تبين أن هذه الأدلة غير مؤكدة وأن التهم الموجهة ضد طرفين مشتبه فيهما- شخص أميركي إيراني وضابط في "فيلق القدس" الإيراني- عارية عن الصحة، فستتعرض مصداقية وكالات إنفاذ القانون الأميركية، والحكومة الأميركية نفسها، لضربة موجعة. لكن ماذا لو تمكنت الحكومة الأميركية في المرحلة المقبلة من إثبات ادعاءاتها التي تشمل اتهامات بالتخطيط لاستهداف السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس؟ لا شك أن هذا التطور سيشير إلى التزام القيادة الإيرانية المتواصل باستراتيجية عدائية وقديمة، فقد سبق أن اتُّهمت إيران بالتورط في الاعتداء الانتحاري الذي استهدف السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس في عام 1992، حين قُتل 29 شخصاً وجُرح 242 آخرين.
في غضون ذلك، أصدر الإنتربول مذكرات توقيف بحق مسؤولين إيرانيين على خلفية تورطهم المزعوم بتفجير مركز لليهود في بوينس آيرس في عام 1994. لكن سيشير وجود أدلة ملموسة على تخطيط إيران لتنفيذ ضربتها في واشنطن إلى فتح فصل جديد على مستوى العلاقات بين إيران من جهة والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى. في المقام الأول، قد يعني ذلك أن القائد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي- وهو صاحب السلطة المطلقة الذي يمكن أن يسمح بتنفيذ اعتداءات من هذا النوع- هو مستعد للتمادي بدل الاكتفاء بضرب المصالح الأميركية والسعودية عن طريق عملائه في العراق ولبنان، ستكون هذه الواقعة سابقة من نوعها لأن إيران كانت قد تجنبت في السابق إطلاق عمليات ضد مصالح الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على أراضيهما. لكن ثمة احتمال غريب آخر لتفسير ما حصل، فهل يُعقَل أن يُقدم عناصر داخل النظام الإيراني أو المؤسسة الأمنية على التخطيط لهذا الاعتداء من دون علم خامنئي بهدف إيذائه أو إضعاف نظامه؟ يبدو هذا الاحتمال مستبعداً، ظاهرياً على الأقل، لكن تشير تفاصيل الادعاءات الأميركية إلى أن هذه الفكرة تستحق الانتباه. ووفق معطيات وزارة العدل، تم إرسال 100 ألف دولار إلى العميل الأميركي المتخفي الذي اعتقد أنه سينجح باستهداف السفير السعودي. لكن ستكون هذه الخطة متهورة وغير محترفة بأي شكل من جانب نظام برع على مر السنين في إخفاء حيله، فما الذي يدفع خامنئي إلى إظهار نفسه ونظامه بهذه الصورة الضعيفة عبر إرسال المال مباشرةً إلى العميل؟ لماذا لم يستعن المسؤولون الأمنيون الإيرانيون بأطراف ثالثة تنشط في دول أخرى؟ صحيح أن النظام الإيراني يستعمل خطاباً جنونياً، لكن حين يتعلق الأمر بحماية مصالحه، فهو يتصرف بطريقة منطقية وحذرة، تدرك إيران أنها لا تستطيع تحمل كلفة خوض الحرب ضد الولايات المتحدة، كما أنها تعرف أن تدهور العلاقات الثنائية بشكل متزايد قد يعني تكثيف العقوبات والعزلة، ما قد يسيء إلى قدرة النظام على الصمود محلياً، وبالنسبة إلى مصالح خامنئي اليوم، تُعتبر هذه المعطيات أهم من قتل السفير السعودي في واشنطن. في ضوء تاريخ خامنئي، تُعتبر هذه المبادرة المتهورة التي اتُهم بها متطرفة أكثر من اللزوم، كما أن كلفتها أكبر من أن يتحملها نظامه، لهذا السبب، من المنطقي أن نفكر بأن بعض عناصر النظام الإيراني خططوا لهذه العملية بهدف إيذائه وتنحيته من السلطة. إن النظام الإيراني مفكك أصلاً، وقد بدأت المصالح المهنية الخاصة ببعض المسؤولين تضعف بسبب سياسات خامنئي النووية، وفي غضون ذلك، تشير التقارير إلى أن أبناء مسؤولين سابقين، مثل وزير الاستخبارات علي يونسي، يقبعون في السجن بسبب معارضتهم للنظام، فكل من يريد إيذاء خامنئي من داخل النظام ستكون له أسباب كثيرة لأخذ مبادرة مماثلة، ولا سيما إذا كانت ستؤدي في نهاية المطاف إلى معاقبة القائد الأعلى وإسقاطه.كان النظام الإيراني راعياً للإرهاب طوال سنوات عدة، لكن يبقى هذا الادعاء الأخير عجيباً فعلاً، ولو كان الأمر صحيحاً، لأمكن القول إن خامنئي كان متهوراً في تصرفه أو أنه وقع ضحية عناصر معادية له داخل نظامه، سيكون الوقت كفيلاً بتوضيح معالم القضية وستلعب الأدلة المقدّمة أمام المحكمة دوراً حاسماً في هذا المجال.* مير جافدانفار | Meir Javedanfar