حتى لا نُصاب بالإحباط، وحتى لا يتصور البعض أن فضيحة «الإيداعات المليونية» أو «نواب غيت» ستؤدي إلى نتائج جادة في مكافحة الفساد، حاولتُ في سلسلة مقالات سابقة تفسير معضلة الفساد في المجتمع، وكيف أنها أصبحت جزءاً من الفولكلور الشعبي، بل وربما عاداتنا وتقاليدنا، بدءاً من الحريق السنوي لمخازن وزارة التربية في الستينيات أو فضيحة فراش البلدية في الحقبة الثالثة من السبعينيات إلى «شرهات» النواب وغيرهم، والتي سأعود لشرحها تعميماً للفائدة، وتأصيلاً لفهم المشكلة.

Ad

تكمن الإشكالية في أن القانون الذي تدور حوله قضية «نواب غيت» هو قانون 35 لسنة 2002، وقراره التنفيذي الصادر من وزير المالية في يوليو 2005، والذي تمت تسميته بقانون غسيل الأموال بالأساس لم يكن يستهدف مكافحة الفساد بل كان قانوناً لمكافحة الإرهاب، فقد صدر في إطار الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولذلك تراخى البنك المركزي، وربما حتى البنوك في التعامل مع تضخم الأرصدة المفاجئ للكثير من الأشخاص، حتى ربما مَن كان منهم يغسل أموالاً فعلاً، ولا أدل على ذلك من أنه تم تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب في سنة 2004.

وتكفينا تسمية اللجنة وربطها بين الفعلين «الغسيل» والإرهاب دليلاً على التوجه والهدف.

وبالتالي فإن التهرب والتعامل القانوني من قِبَل النواب المعنيين بالأمر قد يخرجهم من المساءلة، ومن ثم ينتهي قانونياً الاتهام وهو أمر «مقدور» عليه، الحكاية إذاً هي إرادة سياسية في التعامل الجدي مع حالة الفساد المستشرية، والتي تساهم الحكومة فيها بوسائل عدة تتجاوز مسألة غسل الأموال الواردة في القانون المذكور.

لكي يتم التصدي الجاد للفساد، لابد من تركيز الحملة في اتجاه الضغط لإنتاج الحزمة القانونية المطلوبة لمكافحة الفساد، والتي تتضمن خمسة قوانين وهي قانون مكافحة الفساد وقانون الذمة المالية وقانون تعارض المصالح وقانون حماية المبلِّغ وقانون حق الاطلاع على المعلومات.

ومع أنه من الناحية الدستورية يعد مجرد انضمام الكويت إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد كافياً لكي تأخذ تلك الاتفاقية قوة القانون المحلي بموجب المادة 70 من الدستور، إلا أن الحالة الفاسدة المستشرية في البلاد قد تتطلب التأكيد بشكل لا هوادة فيه ولا ريبة، حينها فقط نقول بأننا نسير حقاً في طريق مكافحة الفساد.

عدا ذلك فإننا سنكون كمن يحرث في بحر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.