بيبو وبشير... سينما سائدة في ثياب جديدة

نشر في 12-09-2011
آخر تحديث 12-09-2011 | 00:02
 محمد بدر الدين تشعر أن ثمة مواهب طول الوقت، هائمة، قلقة، تبحث عن مجال للعطاء  والإبداع، لكن سعة الإطار لا تتيح وطبيعة التجربة لا تسمح.

أتحدّث عن «بيبو وبشير»، أول فيلم سينمائي روائي طويل للمخرجة الشابة مريم أبو عوف، وهي على رأس الموهوبين في الفيلم، لكن التجربة (بيبو وبشير) ليست على قدر الموهبة، أو لم تأتِ على مستواها.

إلى جانب موهبة المخرجة، ثمة مواهب واضحة في المونتاج (منى ربيع)، التصوير (فيكتور كريدي)، الموسيقى (هاني عادل)، الديكور (محمد أمين)، فضلاً عن التمثيل (منة شلبي وآسر ياسين في الدورين الرئيسين، وغيرهما).

وحتى نقطة الضعف الأولى، التي إن بحثت وجدتها كامنة هناك، رابضة في سيناريو الفيلم ومعالجته الدرامية للثنائي كريم فهمي وهشام ماجد، ومن حين إلى آخر تلمح موهبة نابضة، كامنة بدورها، كانت لتنطلق وتعطي عطاء  أفضل.

ثمة «لحظات» في السيناريو والحوار والمعالجة، فضلاً عن العناصر الأخرى، تؤكد دراية وتنمّ عن إدراك عصري أو معاصر في فن السينما، وثمة لمسات حداثة و{روح شبابية» تتّسم بطزاجة ـ إذا جازت العبارة ـ لكن هذه المقدرة على البزوغ، تضيع في توابل سينما قديمة، بالية.

تتأرجح معالجة وسيناريو «بيبو وبشير» بين «تيمات» ومواقف ومفارقات، سبق أن شاهدتها في أفلام مصرية مثل «غريب في بيتي» و{الشقة من حق الزوجة»... أو أفلام أجنبية، وكانت تلك أولى السمات والدلائل على أننا أولاً أمام تجربة غير ناضجة.

ليس الأمر هو التأثر، المحمود المعقول، وليس بالطبع تقديم «تحيّة» إلى أفلام قديمة، كما قد يحاول صناع الفيلم التبرير، إنما هي الحيرة في تقديم الجديد، والارتباك الذي أدى إلى تجربة ليست على قدر الموهبة، أو لم تأتِ على مستواها.

بيبو اسم دلع لعبير (منة  شلبي)، فتاة ممتلئة حيوية تعمل عازفة «درامز» في فرقة شبابية، تطمح إلى الفوز في مسابقة تستعدّ لها، وقد تمثل نقلة حقيقية في مستقبل أعضاء الفرقة.

وبشير (آسر ياسين) شاب طموح يعمل مترجماً في فرقة كرة سلة يشرف على تدريبها مدربون من تنزانيا، وترجع معرفته بلغتهم إلى أنه ولد لأم من تنزانيا وأب مصري.

يبدأ الفيلم بأن نرى مشاهد متتابعة، وعبر مونتاج متوازٍ، يبحث فيها بيبو وبشير ـ كل على حدة ـ عن شقة في مدينة القاهرة، ونرى خيبة أمل كل منهما في رحلة بحثه، وصدمة كاملة تلو أخرى.

إلى أن يأتي الحلّ، بأن يجد كلّ منهما الشقة المناسبة، لكن شرط أن تتاح في وقت محدّد يومياً (من الساعة كذا إلى الساعة كذا) لأنها نفسها التي تتوافر لهما، باعتبار أن الوقت الذي يحتاج إليه كلّ منهما مختلف عن الآخر. وهنا تبدأ سلسلة من المفارقات، تدور حول خشية ألا يُصادَف وجود كل من المستأجرَين في الشقة في اللحظة نفسها.

الأعجب، أو الأغرب، أن هذا الشاب وهذه الفتاة يتعارفان في ظرف آخر مختلف تماماً، بل وتنشأ بينهما قصة حبّ، من دون أن يعرفا أنهما يسكنان في الشقة نفسها.

بل ويتعرّف كلاهما إلى عائلة الآخر، عائلة بشير أي الأب (عزت أبو عوف) وزوجته الجديدة (صفية العمري)، وعائلة بيبو التي تقيم في بور سعيد أي الأم (سلوى محمد علي)، الأب (المخرج الكبير محمد خان في أول دور يظهر فيه على الشاشة بهذه المساحة الملحوظة، وإن سبق أن جرّب الظهور مراراً، لكن سريعاً، وهي تجربة طريفة لطيفة مقبولة).

أول من انتقد تلك المصادفات غير المعقولة، هو الفيلم نفسه، من خلال حوار بيبو وبشير، إذ تقول له: هذا أشبه بفيلم مصري قديم أبيض وأسود... «وحش». لكن هذا الاعتذار أو التبرير لا يقنع أو يخفّف أو يبرّر، ولا «يمرّر» ذاك الوضع «الثقيل» أو السخيف الذي «أنهك» الفيلم.

أضف أموراً أخرى... مثل تقديم صديق للبطل على الطريقة القديمة، طيّب ومحبّ، يبدو ظريفاً أحياناً ومفتعلاً الظرف أحياناً أخرى، لا يكفّ عن أن يوقع البطل، بغباء تصرفه، في مأزق تلو آخر! أيضاً تحوّل المترجم بشير، بقدرة قادر عند انسحاب المدرّب الأجنبي، إلى مدرّب ماهر يقود فريقه إلى الفوز...

فيلم «بيبو وبشير» باختصار: سينما سائدة في ثياب جديدة.

back to top