يا أنا يا هو... أضغاث أفلام!

نشر في 26-09-2011
آخر تحديث 26-09-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين إحدى عجائب الأفلام المصرية الأخيرة فيلم بعنوان «يا أنا يا هو{، لمخرج جديد هو تامر بسيوني، وكاتب جديد هو أحمد حجازي، وبطل جديد هو نضال الشافعي، وشارك في البطولة من الوجوه الشابة ريم البارودي ونيرمين ماهر، إلى جانب المخضرم لطفي لبيب.

كنا نأمل في ملمح إبداعي أو فني جديد في هذا العمل، ليس فحسب لأن الأسماء التي يقوم عليها جديدة، وإنما أيضاً لأنه يقدم نفسه باعتباره أحد الأفلام الجادة أو المجتهدة، التي تقتحم عالم سينما التحليل النفسي لنموذج من الشخصيات الإنسانية المركبة المهمة، التي تضيف لنا تأملاً في الحياة الإنسانية عموماً.

لكننا بعد قليل من مشاهدة الفيلم، وإلى نهايته، نكتشف أولاً، ونتأكد طول الوقت، أننا أمام حالة فيلم يستند إلى اقتباسات مرتبكة من سينما أجنبية، لم يستوعب أصحابها أو «يهضموا» حقيقة ما يقتبسون وجوهره، ومن ثم لم يقدروا على تأمله وتمثيله و{تمصيره»!

ونكتشف ثانياً أن الأسماء «الجديدة» التي قدمت الفيلم هي مجرد أسماء لذهنيات قديمة غير قادرة على التجديد، وأننا أمام فيلم ينتمي إلى سينما عجوز متهالكة، عاجزة عن إضافة  أي جديد!

ونكتشف ثالثاً أن الفيلم ينتمي إلى محض ادعاء، وزعم بالانتماء إلى سينما جادة تتأمل وتحلل، فنحن لم نجد أنفسنا، إلا أمام هراء يمكن أن نطلق عليه أضغاث أفلام، على غرار أضغاث أحلام!

فعلى مدى الفيلم نحن أمام حالة واحدة من التشنج يعانيها بطله، التي يقصد بها أصحاب الفيلم أن بطلهم يعاني من حالة «انفصام شخصية»، إلى حد أننا نرى بالفعل شخصين متناقضين داخل إنسان واحد، كما أن لكل منهما اسمه المختلف! فأحدهما «سعيد» وهو الشخص الطيب الودود الحنون إلى حد السذاجة، والثاني «حازم» وهو الشخص الوغد القاسي حاد الطباع إلى حد العنف، أي أن أحدهما مطلوب أن نتعاطف معه، بينما الآخر يجب أن نتعاطف ضده، فلا نستطيع هذا ولا ذاك!

ويصل الهذيان إلى حد أن نجد الشخصين أحياناً، يصيح أحدهما في الآخر ويتشاجر بضراوة معه، ولم يدرك الممثل الذي أدى هذا النموذج، نضال الشافعي، ما هو المطلوب منه بالضبط، لغموض المطلوب أصلاً في ذهن مخرج الفيلم وكاتبه، فلم يعرف كيف يؤديه، إلا على نحو أقرب إلى «نوبات الصرع»، مبتعداً بذلك عن «الانفصام» ومستغرقاً في صراع نفسي من نوع غريب، بلا أي أساس علمي أو واقعي!

ومع أن الشافعي أظهر موهبته، وتمتعه بمقدرة على أداء جيد وحضور (حتى إلى جانب نجمين مثل أحمد السقا وخالد النبوي في فيلم «الديلر»)، إلا أنه بدا تائهاً، في فيلم «يا أنا يا هو{، لا يساعده نص أو رسم شخصية في السيناريو ولا رؤية وإدراك مخرج، على الإمساك بجوهر ومفاتيح الشخصية التي يؤديها، وكيف يمسك بناصيتها أو يسبر غورها؟

ولم يكن وجود ممثلتين مثل ريم البارودي ونيرمين ماهر، إلا لمجرد وجود عنصر نسائي في الفيلم، من دون توظيف حقيقي لموهبة، وبلا رسم جاد لشخصيات نسائية، فهما في الفيلم المرأة التي يحبها البطل، و{تختلط» عليه كل منهما، في ظل الهذيان والاضطراب الشامل الغامض الذي يمر به، خصوصاً أن إحدى المرأتين تسمى «جميلة»، ويصادف أن الأخرى وهي ابنة خالتها تسمى «جميلة» أيضاً!

وإمعاناً في ادعاءات الفيلم، يظهر ضمن شخصياته الطبيب (لطفي لبيب)، الذي لا يكف عن توجيه نصائحه للبطل، ومنها مثلاً: «الحل جواك انت يا سعيد... الطيبة محتاجة قوة تحميها!».

وهكذا لا تنتهي الثرثرة، وإذا كانت هذه هي الحال نصاً وإخراجاً، فمن الصعب أن تسأل في مثل هذه الحالة عن إضاءة وتصوير وتكوين وأحجام مناظر، أو زوايا كاميرا وديكور وقطعات مونتاج! إننا في النهاية أمام فيلم ضمن مجموعة بائسة عرضت في سينما عام 2011 باسم موسم (أفلام عيد الفطر)، وقد استعرضناها من قبل.. وهذا آخرها!

ولا ندري إلى أين تمضي السينما المصرية، بعد هذه المجموعة، وما شكل سينما 2011 في النهاية، التي نرجو أن ينقذها في الربع الأخير المتبقي من العام بعض أفلام مميزة، ينتمي إلى الفن بحق ويدرك قيمته ولا يستخف بعقلية المتلقي وذوقه، ويعرف أن في الوطن ثورة، وأن للفن دوره!

back to top