لك أن ترفض... لكن ما بديلك؟!
المزعج أن بعضاً ممن إن سألتهم إن كانوا يعترفون بوجود الفساد العريض والتردي الكبير أجابوك بنعم، لا يتطرقون مطلقا لهذا الفساد حين يتكلمون في الدواوين والمنتديات، وحين يكتبون في الصحف وفي الإنترنت، أو يمرون عليه بعجالة، ولكن تراهم في ذات الوقت يندفعون لانتقاد كل من ينشط ويتحرك في وجه هذا الفساد.
لا أعتقد أن عندنا اليوم في الكويت من يستطيع أن يقف ويقول بكل وضوح وبشكل موضوعي إن الأوضاع "عال العال"، ولا توجد أي مشاكل حقيقية، سياسيا واقتصاديا وتنمويا، وإن كان هناك حقا من يمكن له أن يفعل هذا، فأقولها صادقا إني أود الجلوس معه والاستماع لوجهة نظره، بل لتبنيها هنا، إن كانت مبنية طبعا على أساس موضوعي وليس على تصورات إنشائية.قصدت من هذا أن أقول إن الجميع، وبلا استثناء، صاروا يتفقون على أن الوضع سيئ، بل سيئ جدا، وذلك بغض النظر عن اهتمامهم، وعن الزاوية التي ينظرون بها إلى الموضوع الذي يعنيهم، فالسياسي والاقتصادي والأكاديمي والموظف والمواطن البسيط، جميعهم صاروا يلمسون النقص والخلل والضعف والتردي في شتى مناحي الدولة. يظل الاختلاف الوحيد هو في ردود فعل هؤلاء جميعا تجاه الأمر، فمنهم من ستراه يقول إننا، وعلى الرغم من كل ما يحصل عندنا، لانزال أفضل من غيرنا. يقولها ليذكرنا بالبلدان المبتلاة بالكوارث والمصائب والتي تعاني القمع والتنكيل، وكأن معيار الحياة الوحيد في معتقده هو أن يأكل ويشرب وينام، وألا يضربه أحدهم بهراوة على قمة رأسه أو يطلق النار عليه، كما يحصل في تلك البلدان ولا حول ولا قوة إلا بالله! ومنهم من لا يزال يطنطن على فكرة أن مواجهة الفساد والتردي يجب أن تمر من تحت قبة البرلمان، متجاهلا أن البرلمان نفسه قد أكله الفساد وتغلغل في أوصاله، وما عاد فيه إلا القلة من الصامدين حتى الساعة، ويظل هو راتعا في تكاسله لا يريد أن يفعل شيئا وكأن الأمر لا يعنيه شخصيا.ومنهم من قد يتقدم خطوة، فيكتفي معلنا رفضه للفساد عبر وسائل الإعلام المتاحة، سواء الصحف أو القنوات التلفزيونية أو الإنترنت، لكنه يستمر معارضا فكرة النزول إلى الشارع اعتصاما أو تظاهرا وذلك لذرائع شتى، وهناك أخيرا من اختار وقرر أن ينزل إلى الشارع تحديا لهذا الواقع المريض.أمام هذه المواقف المختلفة، نستطيع أن نجبر أنفسنا على تفهم فكرة أن يرفض البعض النزول إلى الشارع والاعتصام، سواء لسبب ديني أو لرؤية سياسية ترى أن الوضع لا يحتمل هذا النوع من الحراك، لكننا لا نستطيع أن نفهم مطلقا كيف لا يتحرك بأي شكل من الأشكال لمواجهة هذا الواقع الذي يعصف بالبلاد، وألا يقدم بديلا.والمزعج أكثر أن بعض هؤلاء، ممن إن سألتهم إن كانوا يعترفون بوجود الفساد العريض والتردي الكبير أجابوك بنعم، لا يتطرقون مطلقا لهذا الفساد حين يتكلمون في الدواوين والمنتديات، وحين يكتبون في الصحف وفي الإنترنت، أو يمرون عليه بعجالة، ولكن تراهم في ذات الوقت يندفعون لانتقاد كل من ينشط ويتحرك في وجه هذا الفساد، فيستغرقون في التشكيك في نواياه ودوافعه وما أمامه ودونه!خلاصة الحديث هي ألا مشكلة في أن يرفض أي أحد أسلوب النزول إلى الشارع وأسلوب الاعتصام والتظاهر في وجه الفساد، فهذا حقه، ولكن ليثق بأن مصداقيته قد صارت على المحك، عندما يحجم عن الإتيان بالبديل الموضوعي، وعندما يقضي الوقت مستغرقا في انتقاد ممارسات من يتحركون في وجه الفساد لأنه يراها خاطئة، ويصمت في ذات الوقت عن انتقاد الفساد وأولئك المتسببين فيه.