لا أحد
ولا كلمة واحدةحتى الوردةنسيتها على الطاولةحين خرجتتاركا الباب مفتوحاعلى الألمعبدالله عبدالوهابفي ديوانه «لا أحد» ينشد الشاعر الإماراتي عبدالله عبدالوهاب العُزلة، وينحو نحوها، تماما كما يبدو من العنوان الذي يختزل المسافة كاملة، بين القصيدة ووجدان الشاعر.لم أكن على اطلاع مسبق بأعمال الشاعر، وهذا الديوان الأول، كما يبدو من السيرة المقتضبة من حياة رجل أربعيني، يكتب قصيدة نثر هادئة جدا، وذلك هو ما يشدنا إلى هذا الكتاب، فالشعر في حاضره مرتهن بين أمرين، إما هو تلاعب لغوي، وإغراق في التراكيب المجازية المُلغزة، وإما نثر مباشر، وكلام «مستهلك» يصنع النفور منذ السطر الأول، وأما عبدالوهاب في ديوانه هذا فإنه يصنع الموازنة بين اللعبة اللغوية، والسرد النثري الذي يعتمد التكرار تارة، وصنع المفارقة من الأشياء البسيطة ذاتها التي نراها أمامنا، يقول:«الليلة سوف أنام/ سوف أحلم بأي شيء/ حتى لو بالفئران/ أما غدا/ عندما أستيقظ/ هذا إذا استيقظت/ لا يهم/ لن أنام/ وكيف أنام/ لقد طار النوم/ حط على غيمة/ الغيمة كانت غيمة/ والليل مظلة الغريب/ والنوم لليلة واحدة على سرير/ يكلف الشاعر عشرين درهما».ليس سيئا استخدام لعبة التكرار اللغوي، فالكلمة مفتاح لسابقتها، والسياق الوارد تاليا ينفتح على مضامين أخرى، كما أن هذا التكرار يمنح مجالا لنفَس شعري يطول قليلاً، هي تقنية يلجأ إليها الشعراء، ولكن لاستخدامها قدر من الحساسية اللغوية والذائقة الدقيقة جدا، يحتاجها الشاعر، قبل أن ينفرط العقد من بين يديه، ونجد جمالية التكرار وفق سياق مناسب تتوارد كثيرا لدى هذا الشاعر، بالطبع هنا حديثنا عن «الشكل» وأما إذا أردت «مضمون» عبدالله عبدالوهاب ففتّش عن خاصية الانعزال، والانفراد، وكذلك الموت يتسلل من بين ثنايا القصائد. يقول في قصيدة «الآخر أنا»:«إنني أموت/ الآخر لا يفهمني/ صرختي ارتطمت بالجدار/ ومن التحديق بعيداً/ في اللامرئي/ فقدت الرؤية/ إنني أعمى/ أو خيال مزدحم/ أو شبه جزيرة مأهولة بالغرقى/ جنوني يزهر في دمي/ في عظامي/ على جدران سأمي/ أيتها المخيلة أنقذيني/ إنني صائد اللحظات الصغيرة/ مستودع الآلام العظيمة/ أنا الآخر/ والآخر أنا».يحتفي الشاعر بالوحدة، وبالوردة، حيث تتكرر هاتان المفردتان في سياقات متعددة، في ما يبدو وكأن رابطا خفيا بينهما، فالورود تبدو وكأنها عزاء للشاعر الذي يعيش حيث «لا أحد»، ولكنها سرعان ما تذوي، ويعود الوقت إلى وحشته وسكونه. وللشاعر عبدالله عبدالوهاب قصيدة جميلة في رثاء الشاعر والقاص الإماراتي الراحل جمعة الفيروز يقول فيها:«بكل ثقة/ رحل صديق العالم/ رمى بالفكرة من الشباك/ والرواية لم تكتمل بعد/ أيها العالم الصديق/ ماذا نفعل؟ ماذا نقول؟ (...) يا حفار القبور/ حذار/ حذار/ فالجسد المدد في هذه الحفرة الرطبة/ في هذه الحفرة الصغيرة/ هذا النائم الجميل/ قلبه حديقة/ أشجارها الصفصاف/ وروحه فراشات تحوم/ من فوقنا».ربما كان رحيل الفيرزو عاملا آخر أضفى على أضفى روح الشاعر شيئا من الوحدة، والسكون، وهو الراحل دوما إلى فضاءات العزلة وسكينة الروح.«لا أحد» تجربة نثرية جميلة لهذا الشاعر، الذي ننتظر أن نقرأ مزيدا من أعماله، إن لم يكن مقلا كحال كثير من أبناء جيله.
توابل
لا أحد
31-07-2011