برعاية سامية من حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، تشرفت وسعدت الساحة الفكرية والثقافية في الكويت، صباح يوم الأربعاء الموافق الثاني من الشهر الجاري، بإضافة صرح ثقافي جديد تمثل في افتتاح مركز "الأمريكاني".

Ad

"الأمريكاني" بدأ بفكرة إنسانية، عام 1909، يوم دعا المغفور له الشيخ مبارك الصباح (1896-1915) سابع حكام الكويت، "بعض الأطباء العاملين في الإرسالية العربية للكنيسة الإصلاحية بالبصرة، إلى إنشاء مستشفى في الكويت، التي كانت تفتقر إلى الخدمات الصحية وإلى متخصصين مؤهلين يمكنهم تقديم الخدمة الطبية بالأساليب الحديثة".

وشهد عام 1913 تشييد أول مبنى صُمم ليكون مستشفى، ولقد مرَّ المستشفى بمراحل عديدة، وتوسع في مبان متجاورة، ليأخذ تسميته التي عرفها به أهل الكويت: "المستشفى الأمريكاني"، ويظل على وصل بالعلم الحديث والصحة والعافية من جهة، واهتمامه برعاية أهل الكويت من جهة ثانية، حتى أغلق أبوابه عام 1967.

قرابة 44 عاماً تفصل بين إغلاق أبواب المستشفى الأمريكاني، وفتح أبواب الأمريكاني المركز الثقافي. المستشفى عمِل لعقود على أن يكون معيناً لأهل الكويت، وجالباً للصحة والعافية لأبدانهم، وها هو يفتح أبوابه، مركزاً ثقافياً يسعى لوصلهم بالفكر والفن والإبداع الإنساني. وإذا كانت الكويت في بداية القرن العشرين تحتاج لمن يداوي أبدان أهلها مما يصيبها من أمراض، فهي ستبقى دائماً متعطشة لمزيد من العلم والفكر والفن والأدب والمعرفة، وسيبقى افتتاح مركز ثقافي بمنزلة منارة إشعاع، ترسل بضيائها للقريب والبعيد في زمن بات يُعرف بأنه زمن الفضاء المفتوح.

أي ولع جميل وأي خطوٍ مسحور ذاك الذي قاد الشيخ ناصر صباح الأحمد، في منتصف عام 1975، إلى اقتناء أول تحفة أثرية من العصور الإسلامية؟ وهل دار بخلده وقتذاك، أي قبل قرابة 36 سنة، أنه سيُكتب له أن يكون صاحب أهم مجموعة تحف أثرية إسلامية تجول العالم طولاً وعرضاً، حاملة عنواناً آسراً هو "ذخيرة الدنيا"؟

دولاب الدنيا الدائر لا يبقي حالاً على حال، فما تراها ذخيرتها الباقية؟ وأي سرٍ ناطق تخبّئه تلك الذخيرة؟

إن ولعاً سرياً أخذ بلب الفتى، حتى أصبح ديدنه وشغله الشاغل، هو البحث والتفتيش واقتناء أي تحف أثرية إسلامية ذات قيمة إبداعية إنسانية، مهما عزّ طلبها وغلا ثمنها، فها هي مجموعة "الصباح الأثرية"، يُشار إليها في دوائر الآثار العالمية، بوصفها واحدة من أهم وأندر وأثمن المجاميع التراثية في العالم. وربما يُعد تنوع تحفها، وإحاطتها بمختلف صنوف الإبداع الإنساني الإسلامي، على مرّ العصور، وحيثما كان، شعاعاً يخبل عقول المهتمين، ويجعل من الكويت، و"دار الآثار الإسلامية"، مقصدهم وغاية مرادهم. وكم يبدو دالاً أن يحتضن افتتاح "الأمريكاني" كمركز ثقافي بعض تحف "مجموعة الصباح".

إن عصراً نحيا فيه صار الحوار مع الآخر عنوانه الأكثر أهمية وتداولاً وحضوراً، وهل أجمل من الفن والتاريخ والتراث الإنساني المبدع، مدخلاً للفت انتباه الآخر والتواصل معه؟ لذا جال معرض "ذخيرة الدنيا" العالم، طولاً وعرضاً، واستحوذ على اهتمام العلماء والباحثين وجمهور التراث الإنساني المبدع، وكان مكسبه الأهم، هو القول إن دولة الكويت، من خلال "مجموعة الصباح الأثرية" تحتضن أهم مجموعة تحف إسلامية.

دار الآثار الإسلامية بمتابعة يومية حثيثة من مشرفها العام الشيخة حصة صباح السالم، استطاعت أن تنقش لنفسها اسماً عالياً، تراثياً وثقافياً وفنياً، محلياً وعربياً وعالمياً، إن عبر موسمها الثقافي ومحاضراتها الأسبوعية، أو من خلال اهتمامها بعلم الآثار وكذلك الفن المبدع، لذا فإن افتتاح "الأمريكاني" كمركز ثقافي، يحتضن نتاجها سيكون إضافة ثقافية مهمة، وسيشكل وردة على صدر الوطن!