التـتن... متنفس العراقية من ضغوط الحياة
ما إن وضعت "قلاس" الشاي الأسود على الأرض حتى عكفت ساقيها لتمكن يدها من الوصول إلى "قوطي التتن"، بينما كان ذلك الذي يحمل الورق "المقصص" مرمياً أمامها، وأخرجت الورقة "اللف" ووضعت "التتن المزبن" فيها، ولفته بأصابعها وهي تترنم إحدى الأغاني القديمة... الوجن الوجن يا يما، ولم تقطعها إلا عندما بللت الورقة بطرف لسانها، ثم أغلقتها ولمستها بلطف لتوزع التتن بشكل متساو على اللفة.والتفتت إلى صوت من ورائها وهي جالسة في "القاع"، وكان صادراً من زوجة ابنها: "خالتي تريدين شي؟"، وردت عليها والدخان يخرج من فمها بكثافة: "لا يما الله يحفظج، لا تعورين نفسج وانتي تفلحين".
ومنذ القدم كان المتنفس الحقيقي لهموم المرأة العراقية هو "التدخين"، خاصة في الريف، حيث إن كل الضغوط الحياتية والذكورية تمارس عليها هناك، فهي تحرث وتزرع وتحصد، وترضع طفلها، وتعد الطعام لزوجها وأهله، وتنظف المنزل، وتربي أولادها، وتتسوق، يعني هي المرأة "السوبر"، وطريقة حياتها ظلت كما هي في كل الأنظمة التي حكمت بلاد الرافدين، والتي اتفقت على الرغم من اختلاف مشاربها العقائدية على ظلم النساء العراقيات، وإبقاء الحال على ما هو عليه، لذلك التدخين هو متنفسها الوحيد، حيث تنفث مع دخان سجائرها همومها ومعاناتها وآهاتها التي لا يستمع إليها أي فرد من أفراد العائلة.وتعد السجائر أكثر الوسائل شيوعاً للتدخين عند المرأة العراقية الريفية، سواء كانت السيجارة منتجة صناعياً، وأشهرها "سومر"، أو ملفوفة يدوياً من التبغ السائب وورق لف السجائر. وفي العراق لا تتجاوز قيمة علبة السجائر 33 سنتاً أميركياً، لذا نجد هذا البلد يحتوي على أعلى معدل مدخنين في الشرق الأوسط. وللشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي بيت شعر كتبه ناقداً المدخنين والمدمنين على كل المسكرات، قال فيه: "قلت يا قوم تكفيكم مشاركتيأياكمو في التلذذ بالمضراتإني لأمتص جمراً لف في ورقإذ تشربون طيباً ملء كاسات