مسلسلات رمضان لهذا العام جاءت في معظمها محملة بإشارات لكل ما حدث من ثورات في العالم العربي، ومن يتابع المسلسلات المصرية والسورية يستطيع أن يتنبأ بكل ما سوف يأتي، وكل ما هو قد حصل بالفعل.
المسلسلات عرت الواقع الحياتي الاجتماعي البائس، الواصل إلى نقطة الحضيض من العيش بكرامة إنسانية حتى ولو كانت تقف عند الحدود الدنيا منها.وهذا هو حال الواقع الذي كشفته المسلسلات العربية ليس فقط في شهر رمضان 2011 بل إنها قد تطرقت إليه من قبل هذا العام بأعوام عديدة وبصور متعددة، لكن ما ميز هذا العام هو السبق في إضافة بعض من الأحداث الحقيقية التي أنتجتها ثورة 25 يناير إلى المسلسلات المصرية وإن جاءت كذيل ملصق في المسلسل وليس كفاعل ومحرك حقيقي، فهذه المسلسلات كلها كُتبت وبُدء في تصويرها من قبل حدوث الثورات العربية وإن كانت تعكس حال الواقع المحرض والدافع والمفجر لما حصل من ثورات، وأتوقع أن تكون مسلسلات العام القادم أكثر نضجا واستيعابا واستجلاء لكل ما حدث في هذه الثورات العربية من تغيرات ونتائج مهمة ستنعكس على المستقبل القريب.وسوف أبدأ بالمسلسلات السورية التي حافظت على جودة المعايير الإنتاجية كلها، فقد أصبحت لها تجربة وخبرة كافية وعميقة لتواصل الإنتاج بجودة عالية بات لها بصمة واضحة في الأعمال الدرامية العربية.وفي رمضان هذا العام جاءت بعض المسلسلات بذات الهم الذي طرح من قبل في أعوام سابقة، مثل الإشارة الدائمة التي تحاول أن تقول إن هناك رجل مخابرات أو ضابطا برتبة عالية أو مسؤولا مهما في الدولة هم سبب لكل المصائب والخراب والظلم والفساد السياسي الناتج من تحكم وتسلط هؤلاء الأشخاص.ونجد أن كل الأسماء المشهورة للممثلين والممثلات الكبار هم من قاموا بتمثيل هذه الأدوار فيها، مما يتناقض تماما مع مواقفهم التي هي ضد الثورة الحاصلة الآن في سورية، والتي كانوا هم أول من نبه وأشار إلى أسباب ودوافع قيامها، وهم أول من أشار وكشف عن إجرام تلك الفئات التي هي سبب الفساد في السلطة، ومع هذا نجدهم الآن يتنصلون من الثورة ويقفون ضدها، فأي ازدواجية هذه التي نراها في ما يقيمون به وما يؤدونه ويجسدونه على الشاشة.فأيهما نصدق؟وهل هذا يعني أن هذه الشخصيات التي أدوا أدوارها غير موجودة في الواقع حين كانوا يجسدونها، وإنهم قد اخترعوها وفوجئوا بأن ما اخترعوه وألفوه قد تجسد كواقع؟طيب ماذا سيكون حالهم في حال انتصار الثورة، وكيف سيبررون ازدواجيتهم السابقة، وبأي وجه سيلعبون به أمام جماهير آمنت وصدقت بهم؟ويأتي الآن دور المسلسلات المصرية التي تفوقت بشكل واضح وملحوظ وبات لها نقلة مميزة وكبيرة انعكست على كتابة النص والتمثيل والإخراج وإدارة الكاميرات وتوزيع حركة الإضاءة، كلها كشفت عن التطور الذي بدأ مع إنتاج مسلسل فاروق ومسلسل أسمهان اللذين استفاد منهما المخرجون المصريون الشباب وكل العاملين في الإنتاج الدرامي، واطلاعهم واحتكاكهم مع خبرات عربية جديدة مبدعة، مما دفع بمجموعة من المخرجين والكتاب والمصورين والمهنيين الشباب إلى تطبيق هذه الخبرات الجديدة في أعمالهم الفنية، مما أنتج مسلسلات رائعة محبوكة برؤية عميقة مصاحبة بحركة سينمائية متميزة في المشاهد والإضاءة والنقلات السريعة والتصوير الخارجي الذي بات في مواقعه الحقيقة وليس في استوديوهات كما في السابق، كما جاء الاهتمام بأدق التفاصيل وبتسليط الضوء على الأدوار الصغيرة الهامشية، مما أضاف إلى مصداقية العمل نكهة خاصة.ومن الأعمال اللافتة لهذا العام مسلسل شارع عبدالعزيز، ومسلسل دوران شبرا، وان كان من المبكر أن يكتب الآن نقد عنهما، لكنهما منذ الحلقات الأولى وإلى الثلث الأول كل منها يتنافسان في قوة الأداء التمثيلي وفي جودة درامية متميزة ولافتة بشكل واضح.
توابل
المسلسلات الرمضانية والواقع
15-08-2011