هذا الأسبوع، عبر آخر موكب من القوات الأميركية الموجودة في العراق الحدود نحو الكويت وغادر البلد بلا رجعة! تقضي الخطوة التالية بالانسحاب من أفغانستان، ومن المنتظر أن تنسحب القوات الأميركية من معظم المعارك في نهاية عام 2014. لكن لن يكون الانسحاب من أفغانستان نهائياً مثل الانسحاب الذي شهدناه في العراق لتونا. يعمل القادة العسكريون الأميركيون على وضع استراتيجية جديدة لتخفيض عدد الجنود بهدف إبقاء بعض القوات الأميركية لمحاربة "طالبان" خلال السنوات المقبلة، إلى ما بعد عام 2014.

Ad

تتمحور الاستراتيجية الجديدة حول تغيير المهمة الأميركية من محاربة "طالبان" مباشرةً إلى الاضطلاع بمهام استشارية وتوفير قوات دعم للجيش الأفغاني الجديد.

لكن سيتابع بعض الأميركيين خوض المعارك، لا من خلال تقديم التوصيات العسكرية فحسب، بل من خلال تنظيم وحدات للعمليات الخاصة وقوات الرد السريع بهدف إنقاذ المقاتلين الأفغان الذين يقعون في المشاكل.

لا تزال هذه الاستراتيجية قيد البحث والتخطيط، وقد أعلن المسؤولون أنهم لم يحددوا بعد عدد الأميركيين الذين سيبقون في أفغانستان. في هذا الصدد، صرّح رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، أمام المراسلين الذين رافقوه لزيارة القواعد الأميركية في أفغانستان خلال الأسبوع الماضي، بأنه لا يتوقع بقاء عشرات آلاف العناصر.

لكن حين سُئل مسؤول رفيع آخر عن رأيه ببقاء 15 ألف عنصر، اعتبر أن هذا الرقم يعجبه فعلاً.

تضم القوة العسكرية راهناً حوالي 94 ألف عنصر، وسيعني العدد الافتراضي الجديد (15 ألف عنصر) وجوداً عسكرياً أصغر من الوجود الأميركي في أفغانستان منذ عام 2005، لكن من المتوقع أن يشكّل هذا القرار مفاجأة بالنسبة إلى جميع من ظنوا أنّ وعد الرئيس أوباما بسحب القوات بحلول عام 2014 كان يعني توقف الدور القتالي الأميركي بشكل نهائي.

عندما حدد أوباما جدول الانسحاب في شهر يونيو، قال: "ستتابع قواتنا العسكرية العودة إلى ديارها بوتيرة ثابتة بينما تبدأ قوى الأمن الأفغانية باستلام دفة القيادة. ستتغير مهمتنا من القتال إلى الدعم. بحلول عام 2014، ستُستكمل هذه العملية الانتقالية بالكامل وسيصبح الشعب الأفغاني مسؤولاً عن أمنه الخاص".

حاول المسؤولون الأميركيون في أفغانستان التشديد على الرسالة الضمنية للخطة المرتقبة: بطريقة أو بأخرى، سنبقى في أفغانستان لفترة طويلة!

قال قائد القوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال جون آلن، في الأسبوع الماضي: "لن تنتهي مهمتنا في نهاية عام 2014. ستكون الرسالة من بقائنا مهمة جداً بالنسبة إلى طالبان".

قد تبدو الرسالتان متناقضتين لكنهما تعكسان عملياً ازدواجية مستمرة في عمق السياسة الأميركية.

يريد أوباما منع "طالبان" من إسقاط الحكومة في كابول، لذا أمر بزيادة عدد القوات العسكرية الأميركية لتفوق المئة ألف عنصر في السنة الماضية. لكن يحرص الرئيس أيضاً على أن يكون تعزيز الوجود العسكري موقتاً ويريد أن يفهم الناخبون الأميركيون أن الحرب (أو المسؤوليات الأميركية فيها على الأقل) بدأت تتراجع.

بسبب تلك الضغوط المتداخلة اضطر الجيش إلى رسم استراتيجية جديدة، مع أن بعض الضباط الميدانيين ليسوا مقتنعين بأن الأفغان سيكونون مستعدين لاستلام القيادة في الموعد المحدد.

شرح أحد المسؤولين الوضع قائلاً: "بدأت الأعداد تتراجع ونحن نتجاوب مع هذا الوضع المستجد".

وفق الجدول الزمني الذي وضعه أوباما بشأن خطة زيادة القوات العسكرية، سيتراجع الوجود العسكري ليقتصر على 68 ألف عنصر تقريباً في شهر سبتمبر المقبل وسيتابع تراجعه بعد ذلك بوتيرة غير محددة حتى الآن.

تزامناً مع تقليص عدد القوات الأميركية، سيصبح الاعتماد على الوحدات الأميركية، باعتبارها القوة القتالية الرئيسة في الحرب، أمراً غير عملي. يجب نقل هذه الأعباء إلى القوات المسلحة الأفغانية التي تضم حتى الآن 180 ألف جندي وتطمح إلى ضم 240 ألفاً في عام 2014.

تقضي خطة مكافحة التمرد بأن تستلم قوات الحكومة المحلية مسؤولية الأمن ميدانياً، حتى لو كانت تحتاج إلى مساعدة خارجية في مجالات التدريب والإمدادات والنقل والدعم الجوي.

عبّر بعض الضباط، بمن فيهم آلن، عن تأييدهم لبقاء أكبر عدد من القوات القتالية الأميركية ميدانياً لأطول فترة ممكنة، وقد أشاروا إلى نجاحها هذه السنة في سحق "طالبان" في جنوب أفغانستان وإلى استمرار القتال العنيف في المحافظات الشرقية.

لكن يعتبر آخرون أن التحرك ببطء لن يحقق الأهداف المنشودة. طالما تخوض الوحدات الأميركية القتال بنفسها، فلن يحصل الأفغان على فرصة تولي القيادة في أقرب وقت ممكن.

قال أحد المسؤولين: "عندما يقود ضابط أميركي القوات الأميركية والأفغانية في المعركة، فهو يركز على نجاح وحداته الأميركية الخاصة. لكن عندما يكون الفرد مستشاراً، فعليه التركيز على نجاح الوحدة الأفغانية".

بموجب الاستراتيجية الجديدة، سيرتبط المستشارون الأميركيون على الأرجح بوحدات القتال الأفغانية ضمن فِرَق مؤلفة من 12 إلى 16 مسؤولاً. وسيقوم هؤلاء بمساعدة الأفغان في التخطيط للعمليات، فضلاً عن منحهم المعلومات اللازمة من الاستخبارات العسكرية الأميركية وطلب قوات الدعم الأميركية عند الاقتضاء.

لا تنذر الاستراتيجية الجديدة بأي نوع من النصر السريع، بل إنها تَعِد بمنح الجيش الأفغاني فرصة خوض حرب طويلة وبطيئة بهدف إقناع حركة "طالبان" بأنها لا تستطيع الفوز.

حتى لو أبلى الجيش الأفغاني حسناً، فإن البلد يواجه مشاكل عالقة كثيرة مثل استفحال الفساد والعجز في الحكومة واستعمال "طالبان" لباكستان كملجأ آمن لتشنّ منه العمليات القتالية.

ومع ذلك، تبقى الاستراتيجية الجديدة ضرورية إذ بدأت الأعداد العسكرية تتراجع، وهي الطريقة الفضلى لتنفيذ الالتزامات الأميركية.

تؤكد هذه الاستراتيجية مدى صبر الأميركيين لتحقيق التزاماتهم، فقد تستلزم عمليات مكافحة التمرد عقوداً طويلة من القتال، لكن يكره الأميركيون خوض أي حرب مكلفة تدوم أكثر من عهد رئاسي واحد.

لن يحبذ مؤيدو استعمال القوة هذه الاستراتيجية لأنها ستؤدي إلى تقليص الزخم الأميركي في الحرب، ولن يحبذها معارضو الحرب أيضاً لأنها لا تعني نهاية جذرية للوجود العسكري الأميركي.

لكن تبقى هذه الاستراتيجية متماسكة، وقد يتبين أنها واقعية فعلاً. لا تُعتبر هذه الأهداف الأخيرة سيئة في حربٍ دامت عشر سنوات وشهدت نسبة مهمة من الإخفاقات.

* دويل ماكمانوس | Doyle McManus