لا شك إطلاقاً في أن إنجاز الاتفاق الذي وُقع بين اليمنيين يوم الأربعاء الماضي، برعاية الرجل الكبير والعظيم عبدالله بن عبدالعزيز، يُعد إنجازاً هائلاً لمجلس التعاون الخليجي، الذي صَبَرَ صَبْرَ أيوب، وتحمل ممثلوه الكثير من الإساءات، إلى أن تمكن من النجاح في مهمة كان النجاح فيها يبدو مستحيلاً، نظراً إلى كثرة تعقيدات "الإشْكال" اليمني، ولأن صراعاً تخلله العنف المفرط قد ترك الكثير من الأحقاد وترتب عليه الكثير من المستجدات الشائكة في مجتمع حيوي فيه الكثير من المكونات الفسيفسائية القبلية والسياسية والمذهبية.

Ad

إنه إنجاز عظيم، والمفترض أن تشكل هذه التجربة مثلاً يحتذى لسورية، التي تعتبر تعقيداتها أقل كثيراً من تعقيدات اليمن، والتي من بينها بل من أخطرها أن هناك مَن لا يزال تراوده فكرة العودة للتشطير والتخلي عن الوحدة التي أنهت في عام 1990 انقساماً تاريخياً بين الشمال والجنوب، فتحكيم الضمير والحرص على بلد عربي بات يقف على تقاطع طرقٍ يتطلب تضحية من الرئيس بشار الأسد كتضحية علي عبدالله صالح الذي تنتهي ولايته الدستورية عام 2013.

لقد بقي الرئيس علي عبدالله صالح، المعروف بشطارته وشيطناته وذكائه الفطري, يتلاعب بعامل الوقت، وبقي يناور ويداور نحو عشرة أشهر، لكنه، وهذا يسجل له, عندما تأكد أن الاستمرار في العناد وأن الإصرار على مواصلة السير على طريق شائك سيؤدي إلى كارثة محققة، اختار أن يتنحى مع الاحتفاظ بـ"ماء الوجه" وتجنيب بلده، الذي يجلس فوق ألغام كثيرة، الحرب الأهلية المدمرة التي هي أم الكبائر، والتي أصبحت بعد كل هذه الفترة الطويلة من العنف والاقتتال تقف على الأبواب، وغدت هي البديل الوحيد عن هذه الاتفاقية التي جرى توقيعها مساء الأربعاء الماضي، والتي يجب أن يحرص عليها اليمنيون حرصَهم على حدقات العيون.

وهكذا، ولأن الأوضاع في سورية قد ذهبت بعيداً في العنف وإراقة الدماء، وباتت التقديرات كلها تشير إلى أن عوامل الحرب الأهلية غدت كلها متوافرة، ولأن التدويل، نظراً إلى كل هذا, أصبح خياراً مطروحاً بكل جدية، فإنه من المنتظر رغم كل ما حصل وما يحصل أن يبادر الرئيس بشار الأسد ويفعل ما فعله علي عبدالله صالح ويجنب بلده الجميل، الذي يستحق التضحية، مأساة باتت واضحة ومؤكدة، ويجنب نفسه وأطفاله وعائلته ما حلَّ بالقذافي وأبنائه وعائلته وبليبيا وشعب ليبيا عندما اختار العناد والمكابرة والإصرار على "ركوب رأسه" ورفض كل الحلول والمخارج السلمية التي عرضها عليه وسطاء كثيرون.

لا يعيب أي قائد أن يرضخ لرغبات شعبه، ويقيناً فإن التاريخ سيكتب سيرة الرئيس بشار الأسد بحروف من نور إن هو تخلى عن عناده وتغلب على نزعات بعض المحيطين به، واستجاب لمنطق العقل وتغليب المصلحة الوطنية على شيطنات النفس البشرية "والنفس أمَّارة بالسوء" وقَبِلَ ما قبِله علي عبدالله صالح الذي انتشل سمعته وتاريخه وبادر إلى استبدال نهاية كنهاية القذافي المزرية بنهاية حفظت له وقار موقعه، وجنبت عائلته ما حل بعائلة وأبناء صاحب الجماهيرية العظمى.

لم يسبق السيف العذل بعْدُ، والتراجع عن الخطأ فضيلة، وسورية تستحق تضحية كتضحية علي عبدالله صالح، والمؤكد أن الرئيس بشار الأسد يدرك أنه من الأفضل له ولعائلته ولسمعة والده الذي بقي رئيساً لهذا البلد أكثر من ثلاثين عاماً أن يختار التنحي بكرامة، ليضمن مواطنة شريفة له ولأطفاله، وألا يترك بلده يواصل السير على طريق الانتحار والحرب الأهلية والتدخل الخارجي، الذي هناك تقديرات تصل إلى حدود اليقين بأنه سيأخذ الصيغة العسكرية المدمرة.