آر. أس. توماس: ثلاث قصائد
في عام 1995 كان الشاعر من ويلز آر.أس. توماس قد رُشح لجائزة نوبل، ولكنه لم يحصل عليها، ثم توفي عام 2000 عن عمر بلغ السابعة والثمانين. ولد عام 1913 في إحدى مقاطعات ويلز، ومع مراحل نضجه نمت مشاعره الدينية فأصبح قساً في الأربعينيات، ومنذ نشره لمجموعاته الأولى استطاع أن يتميز بخصائص تفرده عن أبناء جيله، لعل أهمها الصدق، والعمق في البحث عن التفاصيل التي يخفيها الواقع الظاهر.إنه قس لكنيسة ويلز التي سُحب عنها الاعتراف، وهو ينتمي إلى قومية تكاد تُمحى هويتها، وإلى لغة منسية، وإلى وسط فلاحي بسيط وبدائي، وإلى طبيعة محيط خشنة، قاسية ولا مبالية. ولقد أعطته كل هذه العوامل ميلاً إلى العزلة، ومجانبة الناس -أو كراهيتهم أحيانا- ومسلكاً ذا طبيعة حادة وقاسية. وليس غريبا أن ينعكس كل هذا في شعره. إن المجتمع الويلزي ومزارعي تلاله ورعاته، هم الذين أعطوا توماس موضوعه الشعري، تماما كما حصل مع الشاعر الأميركي روبرت فروست، من حيث الوضوح، والقاموس الشعري، والبناء الفني، والعناية بالموضوعات الغنائية الريفية «باستورال»، مع تجنب الميوعة العاطفية الزائدة، أو النزعة المثالية. ولذلك كشف في شعره، إلى جانب النزعة القومية المتعصبة، مقتا لاحتلال الريف المتوحد المعتزل من قبل كرفانات السياح.
رجل مسنيرقبُ الشجرةَ المزهوةً بادعائها الغريبأنها تمسك بالأرض، كالأرنب، بين براثنهاأو يثبّت إشاراته على نسيج لحائها الحي.بحر رمادي يتجعّد بفعل ريح السنواتإنني أعرف من أين جاء جسدُ هذا الرجل،أوردتُه وأليافُه وفروعُ عظامه العاريةالأجمة المعرشة، حيث يقيم القلبوذلك الطائر الذي يستقبل، بأغنية، مواسم الدمولكن، من أين لي أن أضع موضع المقارنةهذه اللهجة الفريدة من الكلاموالتي تألفها الأذن، مع ما في الجبل وما في الحقل؟ولأي شمس أعزو الدفء العسلي لابتسامته؟لوحة «جوستين» لتولوز لوتريكوكما نرغب أبدا في أن نجدها بانتظارنا،جالسة، بلباس يليق بالمناسبةفي العراء الذي يحتفظ بالدفء حيث تكون الوشاح الذي يوحي بالدم حول الرقبةهو الذي يقود الاحتشام إلى الضلالاليدان كبيرتان بحيث تكفيان لإحاطة الخصر،هما شأن يدينا، في راحتهما التامة،ليستا محرضتين لاقتطاف أزهارها الخاصة.موت فلاحأنت تذكر ديفيز؟! لقد مات، كما تذكر، ووجهه إلى الجداركما هي العادة لدى الفلاحين الفقراء،في حقله الصخري الصغير على تلال ويلز،إنني أستعيد الغرفةَ المسقوفةَ بالأرجواز،وثلجَ سريره الملوث الذي عليه يضطجعوحيداً كشاة متشوقةلحمل في الشتاء الصعب لمنتصف آذاروأتذكر أيضا الريحَ الحبيسة وهي تبعثر السائر،ووميضَ الهستيريا الوحشي على الأرضية العارية دون بساط،أو حصير يخففان من ضجيج خطى الفلاحينوهي تعبر الألواح القلقةلتحدق في وجه ديفيز، مُهمْهمةً بكلمات تعزية لا معنى لهاقبل أن تستدير مغادرةً دون مبالاة، بعيداًعن رائحة الموت المتوحدة مع الجدران الرطبة.