منذ ظهور الكويت ككيان سياسي وهي تتعرض للضغوط من شتى الاتجاهات، شمالاً وجنوباً. ولربما زادت تلك الضغوطات منذ العقد الثاني من القرن الماضي.

Ad

ربما كان أحد أبرزها تلك التي دفع بها رئيس الوزراء العراقي إبان الحكم الملكي نوري السعيد. فعلى أثر الوحدة بين مصر وسورية في فبراير 1958 وإعلان الجمهورية العربية المتحدة، قام العراق بالإعلان عن ولادة الاتحاد الهاشمي العربي، الذي ضم الأردن والعراق وهما دولتان يحكمهما هاشميون، إلا أن نوري السعيد سعى بكل ما في وسعه إلى ضم الكويت للاتحاد. ونظراً لقرب نوري السعيد من بريطانيا فقد كانت له وسائل إقناعه حتى كاد أن يحقق مبتغاه في ضم الكويت إلى الاتحاد من خلال نظام حكم فدرالي، وقد انقضت الستة أشهر الأولى بين العراق وبريطانيا في جدل متشعب حتى جاءت المفاجأة وتمت الإطاحة بالحكم الملكي في العراق، وجاء عبدالكريم قاسم زعيماً جديداً، وحاول نوري السعيد الهرب مرتدياً «عباية» سوداء، إلا أنه تم القبض عليه، ولا داعي للتذكير بأن الجمهور الغاضب لم تأخذه فيه أية رحمة.

وقد انتشرت في العراق حينذاك أغنية «يا أم العباية... حلوة عباتج»، إشارة إلى نوري السعيد ومحاولة هربه الشهيرة، التي أدت به إلى نهاية أليمة. بالطبع لن ننتظر طويلاً لكي نشهد زعيم الانقلابيين عبدالكريم قاسم يلقى مصيراً مشابهاً في مقر إقامته بوزارة الدفاع ببغداد، ولكنه هذه المرة بدون عباية، حيث انقض الانقلابيون عليه في سنة 1963 وأنهوا حكمه الذي لم يتجاوز الخمس سنوات.

نوري السعيد باشا كان مهندس حلف بغداد، وكان يسعى إلى ضم البحرين للحلف، ومن ثم عمان فالكويت، بل إنه طالب بريطانيا بمنح الكويت استقلالها لكي تنضم إلى الاتحاد الهاشمي، وفاتح بذلك سلويف لويد وزير الخارجية البريطانية، وقد فوض مجلس الوزراء البريطاني لويد في الموضوع، إلا أن وجهة النظر الأقوى بريطانياً لم تكن في وارد السماح للعراق بضم الكويت. بل إن توفيق السويدي نائب رئيس الوزراء العراقي سافر إلى الشيخ عبدالله السالم أثناء زيارته لشتورة في أبريل 1957 محاولاً إقناعه بفكرة انضمام الكويت إلى الاتحاد، مطمئناً إياه بأن ذلك لن يمس أو يؤثر على وضع الكويت واستقلالها الداخلي ولا على سلطة الشيخ، فرد الشيخ عبدالله بأنه لن يستطيع الرد إلا بعد التشاور مع الجماعة في الكويت. فما إن قام الاتحاد رسمياً في فبراير 1958 حتى ألح نوري السعيد على أمير الكويت لزيارة العراق، وقد قام الشيخ عبدالله بتلك الزيارة في مايو 1958، وكان استقباله حافلاً، ومن ثم تباحث معه نوري فطلب منه إرجاء الأمر إلى حين التباحث مع الإنكليز. لقد سعى نوري إلى محاصرة الشيخ عبدالله بشخصيات كثيرة ومتنوعة لحثه على القبول.

اللافت هنا أنه من حسن تدبير الشيخ عبدالله السالم أنه كان يعتزم زيارة دمشق والقاهرة، بعد الانتهاء من زيارته لبغداد، وعبثاً حاول نوري السعيد إثناء الشيخ عبدالله عن المضي في زياراته، إلا أنه أصر على زيارة البلدين. كان نوري السعيد في عجلة من أمره، فقد تم إعداد مذكرة حول انضمام الكويت إلى الاتحاد، وكان مقرراً بحسب الأستاذ فؤاد العميدي أن يتم نشر تلك المذكرة بتاريخ 12 يوليو 1958، إلا أن السفير البريطاني طلب تأجيل نشرها، حيث إن كل التفاصيل سيتم بحثها في لندن بتاريخ 24 يوليو من العام نفسه، إلا أن الاتحاد والانضمام إليه أصبح معدوماً بقيام انقلاب قاسم في 14 يوليو (تموز) 1958.

كانت الكويت أول المهنئين بـ «ثورة» 14 تموز، أملاً في أن تكون قد خلصتها من ضغوط نوري السعيد، واتسمت العلاقة بين البلدين بود وحميمية ملحوظة، إلا أنه حالما أعلنت الكويت استقلالها في 19 يونيو 1961، لم يطل الوقت بقاسم حتى طالب بضم الكويت إلى العراق هذه المرة، وليس إلى اتحاد هاشمي، فصح فيها مقولة كالمستجير من الرمضاء بالنار، فأي رمضاء كانت وأي نار؟

للحديث بقية