قبل سنة تقريباً وبالتحديد في الأسبوع الثاني من ديسمبر ٢٠١٠ كانت المؤشرات تفيد بأن الحكومة قد قررت "عسكرة الدولة"، وبالتالي تحويلها إلى ما يشبه الدولة الأمنية. إلا أن ذلك التوجه فشل وفاقم الأوضاع لدرجة أدت ضمن اعتبارات أخرى إلى استقالة وزير الداخلية. كان ذلك التوجه قبيل ظهور ملامح ما نعرفه اليوم بـ "الربيع العربي".
إلا أن هذه الرغبة الجامحة بعسكرة الدولة مازالت تطل برأسها بين الحين والآخر، ضاربة بالقوانين الكويتية المعنية بالحريات وكل الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الكويت عرض الحائط. وهكذا كان التعامل الأمني مع تجمعات عامة عادية خارج إطار القانون ومتعدياً على حقوق الناس دون مبرر، ويبدو الإصرار عليه مؤشراً آخر على أن تلك الرغبة المعادية للبلد ولأمنه ولحرياته في رؤوس بعض القيادات الأمنية مازالت مترسخة تنتظر الإشارة.ولا يختلف الأمر في ذلك عن طبيعة التعامل مع أي تجمع سلمي في مكان عام لا يعتدي على المارة ولا يزعج جيراناً سواء كان القائمون عليه كويتيين أو بدوناً أو غير ذلك. اعترضنا في السابق على إبعاد مجموعة من المصريين الذين عبروا عن تأييدهم لأحد مرشحي الرئاسة قبل سقوط مبارك، ونعترض كذلك على عدم السماح لمجاميع من البدون بالتعبير عن رأيهم واحتجاجهم السلمي على المعاناة التي يمرون بها. ولا نفهم ما هو الخطر الأمني على البلد إن تجمعت فئة ما، أياً كانت، وعبرت سلمياً عن رأيها في ساحة مفتوحة، كما هو حادث في تيماء أو في غيرها؟ إنها حقوق كفلها دستور دولة الكويت واضحة لا لبس فيها. إن الحرص على السلم وحرية التعبير هو الذي يحقق الأمن والأمان لا استخدام القوة والعنف.وفي ذلك الإطار جاء ما قامت به القيادة الأمنية أولاً من منع فريق الرصد التابع للجمعية الكويتية لحقوق الإنسان من التواجد في مكان التجمع يوم الجمعة ٢٣ ديسمبر الجاري، ومن ثم التراجع عن القرار وهو تراجع في محله وتصرف سليم يشكر من دفع به من قيادات الداخلية.إن مجرد التفكير في منع مجموعة كويتية نشيطة تقوم بدورها في رصد ما يجري بمهنية وحرفية عالية هو مؤشر يدفعنا إلى التحذير منه، فهو توجه مدمر قصير النظر لا يحترم القوانين الكويتية، وقبلها يستخف بمبادئ الدستور بحجة حماية الأمن، بينما في واقع الأمر يقوض أمن البلاد بعدوانه المباشر على أركان الدولة حتى تعلن بعدها أنها ليست إلا دولة وزارة الداخلية، وكل ما عداها ليسوا إلا أرقاماً زائدة عن الحاجة.إن الشعور الوهمي بأولوية الحل الأمني والمضي إلى جعل المنطق العسكري متقدماً على غيره هو شعور خاطئ في الزمن الخطأ، وعلى الذي يدفع بهذا الاتجاه أن يراجع نفسه قبل أن نندم جميعنا على نتائج عسكرة الدولة، فهي مدمرة للجميع بما في ذلك وزارة الداخلية نفسها.ملحوظة هامة وفي السياق:كنت قد انتهيت من كتابة المقالة قبل انتهاء مظاهرة للبدون في تيماء، وفرحت بأنها انتهت على خير، كما فرحت بأن الاتجاه الأكثر التزاماً بالدستور في القيادة الأمنية قد كانت له الغلبة، وتحققت النتيجة المرجوة التي أشرنا إليها في المقالة، فشكراً لمن ساهم في ذلك من رجال أمن قيادة ومنتسبين وناشطين متضامنين ومن البدون.
أخر كلام
دولة وزارة الداخلية
24-12-2011