أفرح بالكتاب كهدية مختلفة، لأنه يُخبئ لي وصلاً جديداً بعالم إبداعي وإنساني، ولأنه ينطوي على تشكّل علاقة جديدة بيني وبين كاتب أو كتاب، وأخيراً لأنه قد يكون ملجأً لي في لحظات عمرٍ قادمة. ويكتسب فرحي بالكتاب بعداً إضافياً معمّقاً إذا كان من مبدع شاب!

Ad

ثلاث هدايا في ثلاثة دواوين شعرية وصلتني خلال الفترة الماضية، ومعها حملت لي الإصدار الأول لثلاث مواهب شعرية شبابية، قد يكون لها شأن في القادم من الأيام. هدى أشكناني، وسارة ديكسون، وبشاير الشيباني.

"سماء تبحث عن غطاء" ديوان هدى أشكناني الأول الصادر عن دار "الغاوون" يقدم موهبة شعرية شابة تستحق الرعاية والاحتضان: ( يتقاذفني وجعٌ ثالث// وأنا// بين خاصرتَي الوطن// حجرٌ// يأبى السقوط... ص13) إن افتتاح الديوان بقصيدة تنتمي إلى وجع الوطن، إنما يوحي بأن هدى تدرك قدرة الشعر على الحضور في الحدث الاجتماعي، وأن الهم الشخصي هو المدخل الأهم للتواصل مع الهم الاجتماعي والإنساني: "يعبرني صوتك الزجاجي// خلف غمائم النهار// ووراء رفضٍ وقرارٍ// أجدني متورِّطة بك// مندفعة نحوك// في مدنٍ لا تنتهي// اغتراباً ولا تبدأ اقتراباً... ص33).

مهمة الشعر الأجمل تتمثل في قدرته الساحرة على اصطياد تفاصيل لحظات حياتية بعينها، تعبر بنا كل يوم، تاركة ندباً باقية في قلوبنا، لكننا وفي حرّ انكسارنا وتأثرنا فيها، لا نقوى على تسجيلها وحفظ رسمها، ليأتي الشعر ويقدمها لنا كأوضح ما يكون: "بين شقَّين..// من عَتَمةٍ ونور// تحاول فراشة// استرداد يقينها. ص54)

سارة ديكسون في إصدارها الأول "شذرات"، تقدم صوتها الشعري عبر قصائد قصيرة، لكنها تحمل بين ثناياها التقاطة ذكية وجملة شعرية لا تخطئها العين: "الطفل يبكي تقييده// اللفة البيضاء بداية التقييد حلم خادع// وسلب للحرية. ص104" وإذا كان الحب والمحبوب يشكلان حضوراً ملموساً وفائضاً في الكثير من القصائد والدواوين الشبابية، فإنه ليس كذلك في "شذرات"، فالهم الإنساني المتنوع موزع على قصائد الديوان: "أقف على نافذة غرفتي المطلة على الشارع، أراقب مصباحاً يحتضر منذ بضعة أيام، لم يتوقف عن الوميض رغم الأجواء العاصفة والأمطار. مازال رافضاً لفكرة الاستسلام، وارتداء ثوب الموت، ليأخذ مصباحاً غيره مكانه. رافضاً أن يكون مسكناً للذباب والحشرات. ص111) وفي مكان آخر تقول: "عزيزي لا تحزن... تذكّر كلنا من مملكة الحيوان، كلٌ منا يفترس الآخر. ص127)

كنتُ ولم أزل من أنصار اللغة العربية، خاصة بعد سقوط كل الشعارات التي كانت تُردد بوحدة العالم العربي اقتصادياً واجتماعياً، لتبقى اللغة العربية وحدها عنصراً حاضراً وباقياً يمتد بساطاً تستريح عليه كل الشعوب العربية، لذا فإن طباعة ديوان باللهجة المحلية يشكل بالنسبة إلي مغامرة كبيرة، لكن هناك أصواتاً لا ترى نفسها إلا عبر اللهجة، وديوان "كونشرتو غياب" للشاعرة بشاير الشيباني أحد تلك المغامرات.

علاقة الرجل بالمرأة، وتحديداً الفراق بينهما، هي البئر الأهم الذي تنتح بشاير الشيباني قصائدها منه: "نبقى بعيد...// والقصة ما ملّت تعيد// نفس المشاهد والحكي// نفس الحزن...// اللي نثر دمعه قصيد! ص17) ولو أني أرى أن قدرة بشاير على التقاط أدق الأحاسيس الإنسانية يؤهلها لكتابة قصيدة شعبية مختلفة: "اعذرني حبيبي!// قرّب يشق النور// ويزيح الظلام...// لو يتعبك صمتي// يجرِّحني الكلام! ص126) وإذا كان لبشاير خيارها الخاص في المشي في درب الشعر الذي تحب وتكتب، فإن جملتها الشعرية قريبة من النفس وبموسيقى واضحة: "الجفا بعثر ولهنا...// واحنا يم بعض افترقنا!// والوسادة اللي يمي خالية...// ميّت إحساسك عليها! ص74).

هدى وسارة وبشاير ثلاثة أصوات شعرية شبابية أتمنى لها نجاحاً، وأنتظر تجويدها لتجربتها في إبداعها المقبل.