كنايس وسيارات تدرس
في الباص حيث كنت في لندن أحضر مؤتمراً بصحبة وفود نسائية من كل البلاد العربية، جلست بجانب قاضية من ليبيا وأخذنا نتحدث. وعادة ما أنصت للهجات العربية بمتعة شديدة، فقد كان تخصصي الأنثربولوجي يقربني منها، وكنت أحث محدثي بقولي إن لهجته قريبة من لهجتنا، وأفتش معه عن المتشابهات في لهجتنا ومصدرها العربي الفصيح، لكنني هذه المرة كنت صادقة حين قلت للقاضية الليبية، التي كانت لهجتها نقية وصافية، إن اللهجة الليبية أقرب اللهجات إلى لهجتنا، وأيضاً من باب إشاعة الأخوة، وتأكيد المحبة والوحدة العربية، لكنني سرعان ما عرفت أنني قد استعجلت الحكم.
التفتت القاضية إلى صديقتها الليبية الجالسة في المقعد بجانبها، وراحتا تتحدثان في ما بينهما، سمعت السيدة الصغيرة تقول للقاضية: من الصعب هنا أن تُدرسي السيارات؟ فالتفت إليها وقلت لها ما شاء الله هم هنا يدرسون السيارات قالت لي نعم، وأيضاً في ليبيا من الصعب أن تدرسي سيارتك. وسألتني مستغربة وأنتم؟ قلت لها: نحن لا ندرس السيارات، نحن نشتريها دارسة وخالصة، فضحكت وقالت إنها تقصد بالتدريس "صف السيارة في موقف"، ثم ما لبثت القاضية أن شهقت وهي تنظر من نافذة الباص، ونحن في ميدان البيكاديلي، قائلة: كنايس في هذا المكان؟ نظرت فلم أجد أي كنيسة لكني من باب شرح المسألة قلت لها أخفف عنها: إنهم ربما بنوا الكنائس منذ زمن قديم، ثم حدث زحف عمراني عليها، لكنها لم تفهم ما قلت، فأشارت بأصبعيها إلى أكياس الزبالة، وقالت انظري كنايس؟ قلت تسمون الزبالة كنايس قالت لي: نعم لأنها ما يكنس من الأرض.وأنا أقع في مفارقات اللهجة تذكرت مواطننا السعودي الذي ذهب للبنان في أحد الأصياف، وذهب للطبيب يشكو وعكة صحية فقال له الطبيب وهو يفتش عن سبب تردي مزاجه الذي كان سبباً وراء علته: صف لي ماذا تفعل كل يوم؟ فقال بلدياتنا: إنني أصحو عند أذان الفجر أصلي ثم أفطر ثم "اصفّر شوي"، وهو يقصد هنا "النوم حتى وقت اصفرار الشمس"، قال له الطبيب: وكم من الوقت تصفّر؟ قال ساعة أو ساعتين، فقال الطبيب: العمى، وزلاعيمك ما بتوجعك؟ قال المريض: لا أنا متعود أصفّر كل يوم، فقال الطبيب: وأهلك وين؟ قال يصفرون معي. قال له الطبيب: العمى هيئتكم عيلة مجانين، وحين لم يفهم المريض السعودي لماذا بدا الطبيب حانقاً، سأله: ليش انت يا دكتور ما تصفر؟ هنا قال له الطبيب: يا عمي روح شو بدك فيني، انت ما بدك حكيم انت بدك مستشفى مجانين.