المال السياسي وغياب الهيئة المستقلة للانتخابات
نحن على أبواب "معركة" انتخابية يتوقع أن تكون شرسة جداً ستصل بلغة العسكريين إلى "حرب شوارع"، وستستخدم فيها مؤسسة الفساد، التي لا تزال قوية ومؤثرة، "السلاح الأبيض"، إذا ما استدعى الأمر ذلك.وإذا ما عرفنا أن مؤسسة الفساد تتكون من أطراف عدة تختلف فيما بينها لكنها تتفق على نسف الدستور واستمرار الفساد بأشكاله المتعددة، فإن أحد أطرافها، وهم الراشي والمرتشون، لن يتركوا فرصة إلا سيستغلونها من أجل "غسيل" سمعتهم التي تلوثت شعبياً خلال الفترة الماضية، حيث إن "المعركة" الانتخابية الحالية هي فرصتهم "الذهبية" للعودة "المظفرة" إلى الساحة السياسية من جديد.
لهذا فإن الانتخابات القادمة ستكون انتخابات مفصلية بكل المقاييس، فإما أن يحقق محاربو الفساد ودعاة الدولة الدستورية "اختراقاً" سياسياً مؤثراً، وإما أن تعود الأوضاع السياسية كما كانت قبل حل المجلس، ويعود الحراك الشعبي والشبابي من جديد.كثيرة هي الأساليب التي تستخدمها عادة مؤسسة الفساد مستندة إلى المال السياسي الضخم الذي نعتقد أنه سيكون حاضراً وبقوة خلال هذه الانتخابات وفي الدوائر كافة، إذ إن الحكومة، مع كل أسف، لا تحرك ساكنا لإيقاف سطوة المال السياسي الذي يتخذ أشكالاً وطرقاً مختلفة منها الإنفاق ببذخ على الحملات الانتخابية، والتوظيف الدعائي الانتخابي سواء مباشرة أو من خلال شركات تجارية، والهدايا العينية وتذاكر السفر، ناهيك عن دفع المال نقدا لبعض المرشحين. ومن ضمن الأساليب أو "التكتيكات" الانتخابية القديمة-الجديدة التي تلجأ إليها أيضاً مؤسسة الفساد إغراق الدوائر الانتخابية بمرشحين ليس لديهم أي علاقة بالعمل السياسي، ولا يُعرف لهم أي اهتمام بالشأن العام، وذلك بهدف تشتيت الأصوات وتقليل فرص نجاح "معارضي" مؤسسة الفساد، وقد بدأ استخدام هذا "التكتيك" الانتخابي واضحاً الآن خصوصاً في الدائرتين الثالثة والرابعة لأسباب لا تخفى على أي متابع موضوعي.يضاف إلى ذلك دعم أطراف معروف أن لها علاقات وثيقة بمؤسسة الفساد لبعض مرشحي "الفرعيات" من أجل تدعيم موقفهم الانتخابي؛ على أمل تقليل فرص بعض المرشحين "المعارضين" أو على الأقل خفض عدد الأصوات التي سيحصلون عليها في الاقتراع العام.قد يقول قائل إن الحملات الانتخابية في كل دول العالم هي عبارة عن "تكتيكات" سياسية، وهذا صحيح تماما، لكن الفرق أن في الدول الديمقراطية الحقيقية هناك هيئة (مفوضية) مستقلة تشرف على الانتخابات، وتضع قواعد ونظماً تحدد نوعية "التكتيكات" الانتخابية وأساليبها المشروعة وطبيعة الحملة الإعلامية، وتحدد أيضاً سقف الأموال التي تصرف على الحملات الانتخابية حتى يكون هنالك تكافؤ فرص بين المرشحين، أما لدينا فهناك غياب كامل لمثل هذه الهيئة المستقلة، فمن يشرف على الحملات الانتخابية منذ بدايتها ويحتفظ بالنتائج النهائية التفصيلية هو الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية؛ مع عدم إغفال دور السلطة القضائية الإشرافي على عملية الاقتراع.وفي هذا السياق فإنه لا شك أن مشاركة "جمعية الشفافية الكويتية" التي كان لها دور طيب في الانتخابات الماضية أو أي منظمة مجتمع مدني في مراقبة الانتخابية يعتبر أمراً جيداً ومطلوباً، لكن دور منظمات المجتمع المدني سيبقى محدوداً للغاية، ومكملا عادة لدور الهيئة (المفوضية) المستقلة للانتخابات التي تملك الكثير من الإمكانات المادية والبشرية والفنية، ولها الحق في الاستعانة بمراقبين دوليين إذا ما استدعى الأمر ذلك.ومن هذا المنطلق، فإن السؤال لا يزال قائماً، وهو: ترى هل ستكون الانتخابات القادمة، في ظل الظروف الحالية، شفافة ونزيهة؟