ليست الواقعية والمثالية وليدة اللحظة، إنما هي مدارس فكرية سلوكية تعود لفترة ما قبل الزمن الإغريقي القديم، لماذا زمن الإغريق؟ لسبب بسيط هو استقطاب الحروب والأزمات لهواة العلم والمعرفة والمهارات التحليلية من التخصصات المختلفة؛ لدراسة دوافع قيام الحروب والنزاعات والوصول إلى مقومات السلام والأمن.

Ad

كثيرا ما تواجهنا أسئلة، إما من أبنائنا طلبة الجامعة وإما من المشاركين في الندوات وورش العمل الخاصة بالسياسة والإدارة الاستراتيجية حول أسباب قيام الحروب والنزاعات، وإمكانية تفاديها قبل وقوعها، ومدى صحة وجود آلية فاعلة نستند إليها لقراءة مستقبلية، للعلاقات الدولية والسياسة الخارجية بشكل واقعي، خصوصا أن مناهجنا التحليلية حتى العام الماضي أثبتت عدم فعاليتها.

وذلك لأنها في قراءة أحداث العالم العربي لم تفترض إلا  الأمن والاستقرار الداخلي قبل الخارجي, واليوم نفاجأ بأخبار الانتفاضات في الدول العربية، ونتابعها عبر القنوات الأجنبية قبل العربية، ونبحث عن المصداقية في الوجوه الجديدة التي استلمت أو قد تستلم الإدارة والسلطة.

ونتابع  بحذر القليل من الكتاب العرب وقراءتهم "التي تملؤها المجاملات", والعدد الأكبر من الكتاب الأجانب والمستشرقين الذين عاصروا الزعماء العرب، فتوصلنا إلى نتيجة وهي أنه مازالت أساليب التحليل في العالم العربي تفتقد المهارة في التحليل الصحيح والواقعي للسلوك السياسي الخاص بالدول العربية، ومدى انعكاس الشأن المحلي على السياسة الخارجية في فترة ما بعد "ربيع العرب" في الشمال الإفريقي وسورية، بعيدا عن خضوعها للمجاملات والمثاليات.

وليست الواقعية والمثالية وليدة اللحظة، إنما هي مدارس فكرية سلوكية تعود لفترة ما قبل الزمن الإغريقي القديم، لماذا زمن الإغريق؟ لسبب بسيط هو استقطاب الحروب والأزمات لهواة العلم والمعرفة والمهارات التحليلية من التخصصات المختلفة؛ لدراسة دوافع قيام الحروب والنزاعات والوصول إلى مقومات السلام والأمن.

بعدها بمئات السنين ازدحمت المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية بمفاهيم جديدة للعلاقات الدولية والمجتمع الدولي، ومنها ما يوصف بالتفاؤل والقسم الآخر اتخذ من التشاؤم قاعدة للانطلاق. الدراسات التي طرحت بعد الحرب العالمية الأولى, استخدمت مفاهيم العالم المثالي الذي بإمكانه تفادي الحروب والخلافات الدموية وصعود شخصيات وتكتلات دكتاتورية ذات أطماع توسعية، ورأى الكثيرون وأبرزهم الرئيس الأميركي آنذاك وودرو ويلسون  والباحثان بيكر وزميرن, في فترة ما بعد الحرب أن الوقت ملائم للتمسك بأسس ومبادئ تؤدي إلى تفادي الحروب في المستقبل:

أولها دراسة أسبابها بعناية، ثم تطبيق نقاط خاصة بتنظيم السياسة المحلية والخارجية، وأبرزها إصلاح المؤسسات الدولية عبر الانفتاح الدبلوماسي على العالم, والمطالبة بقوانين تحرم وتجرم الحرب، وبرز مفهوم الإدارة الديمقراطية للسياسة والقرارات السياسية بالإضافة إلى عقد الآمال على عصبة الأمم لرسم صورة أفضل.

تلك هي النظرية المثالية، وإن كانت عصبة الأمم قد نجحت في البداية في نزع فتيل الأزمة في أماكن في أوروبا كالبلقان إلا أنها لم تستطع إيقاف اندلاع الحرب العالمية الثانية.

وما إن ظهرت سلوكيات وأنظمة دكتاتورية، وانفصلت بعض الدول عن الأمم المتحدة لتحقق أحلامها "التوسعية"، حتى جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، ودخل العالم في حقبة الحرب العالمية الثانية.

وفي الأسبوع القادم سنستكمل الحوار حول الانتقال من المثالية إلى الواقعية في تفسير العلاقات الدولية لنتوصل إلى الأسلوب الأكثر ملاءمة لتفهم العالم العربي.

كلمة أخيرة:

باقة ورد للمبدعة الفنانة سعاد عبدالله التي انتهزت "فرصة ثانية" لتصل إلى قمة الأداء الراقي ضمن المسلسلات الرمضانية، أما باقة الورد لشباب هذا العام فتذهب للفنان الموهوب خالد أمين.