خرج شاب صغير هزيل اسمه شاليط الأسير الواحد والوحيد لإسرائيل، بينما خرجت باصات كعلب سردين مزدحمة بالبشر تحمل ٤٧٧ أسيراً كدفعة أولى من ١٠٢٧ أسيراً سيجري الإفراج عنهم لاحقاً.

Ad

إنسان واحد مقابل ١٠٢٧ إنساناً. لو أن موسوعة غينيس انتبهت لأدخلت شاليط في موسوعة أغلى إنسان في الكون. ولا أدري من الذي يستحق أن يدخل موسوعة غينيس شاليط نفسه أم إسرائيل التي جعلت قيمة مواطنها تعادل قيمة ألف إنسان عربي؟ بل إن إسرائيل قايضت في عدة صفقات تاريخية تبادل أسرى عرب مقابل رفاة جنودها الذين ماتوا حتى ولو كان جندياً واحداً. يعني ان الإسرائيلي غال حياً وميتاً.

إسرائيل رصدت عشرة ملايين دولار لمن يحضر لها معلومات عن الشاب شاليط، هكذا اعترف ٩٥ في المئة من الفلسطينيين الذين ضبطوا يتعاونون مع مخابرات الشاباك الإسرائيلية طمعاً في الجائزة. بذلت إسرائيل جهوداً كثيرة وأموالاً طائلة للتفتيش عن شاليطها، بينما لم تفطن "حماس"، وهي تعلن بفخر أن النساء الأسيرات خط أحمر، وأنها قد حررت جميع النساء الـ٢٧ اللاتي في الأسر ولم تترك واحدة منهن، فنبهتها إسرائيل أن عدد الأسيرات هو ٣٦ لا ٢٧. تسع أسيرات سقطن من الحسبة.

خمس سنوات دخلها شاليط السجن، لكنه أيضاً وبسبب حشد الرأي العام الإسرائيلي المطالب بالبحث عنه وفك أسره دخل كل بيت إسرائيلي، صُوره وضعت في كل مكان، وكما قال أحد الإسرائيليين تحول إلى ابن لكل أسرة إسرائيلية. وكتب له الأطفال والنساء رسائل بعثوها إليه كل يوم.

شاليط لم يكلف إسرائيل فقط ١٠٠٠ أسير بل بسببه مات فلسطينيون كثر، وأسرت قيادات في الجناح العسكري الفلسطيني، ورغم هذا فإن لغة عاطفية زايدت على موقف إنساني مثل هذا وهو خروج أسرى من أسر امتد ببعضهم عقوداً، ووصفته بأنه نصر عظيم ولا تدري كيف أصبح رغم كلفته هذه نصراً عظيماً. فقد أحرز نتنياهو صعوداً سياسياً لإنجازه هذه الصفقة، بينما زادت هذه الصفقة الانقسام السياسي داخل السلطة الفلسطينية المنقسمة أصلاً. الأسرى من الفلسطينيين كشفوا كم هي صفقة ترشح بهذا الانقسام والتحيز، فالأسرى المحررون جرى اختيارهم فئوياً أي لمصلحة "حماس"، "فتح" لم يحرر من أسراها سوى ٤٩ أسيراً، بينما ٦٠ في المئة من الأسرى في السجون الإسرائيلية، والذين يزيد عددهم على الألفين هم من جبهة "فتح"، كما أن بارزاً في النضال الفلسطيني مثل مروان البرغوثي لم تشمله صفقة المحررين، هذا غير فرض الحظر والرقابة الذي تعهدته "حماس" على جميع الأسرى الذين خرجوا ليجلسوا عاقلين ولا يزعجون إسرائيل.

خالد مشعل جلس على كنبة في فندق بالقاهرة أمام التلفزيون، كما الدالاي لاما، يتفرج على تنفيذ الصفقة في التلفزيون، بينما الصحف من تحته تسرب أخباراً بأن أصحاب القرار في هذه الصفقة هم سورية وإيران. إنسان واحد مقابل ١٠٠٠ أسير هل يثير هذا الرقم في الوعي العربي شيئاً؟ قلت لزوجي الذي يقرأ الصحف بجانبي: هذا الشاليط كم هو غال؟ فرد علي قائلاً: "إلا والله يارخصنا يالعرب".