هل تساءل أحدكم بينه وبين نفسه كما أتساءل كل يوم:

Ad

ما مستقبل هذا الوطن؟ كيف سيعيش أبناؤنا وأحفادنا فيه بعد 20 عاما؟ هل هناك "ذرة" أمل لاستمرار حياة الرفاهية والنعمة في ظل مصدر وحيد للدخل؟ إلى أين يسير بنا السادة المتصارعون على حلب الوطن وهم يتفننون في إضاعة الوقت القليل المتبقي لنا لكي نصنع دولة تمتلك مقومات الديمومة والاستمرار؟

حقيقة... وسط الصراعات الدائمة والضجيج المتصاعد لم أعد أعرف من الصادق ومن الكاذب في هذا الوطن، فالوجوه كلها أصبحت مشبوهة، كلها بلا استثناء، من ينطق بالحق ومن ينطق بالباطل، من يتكلم بلسان الحكومة ومن يتكلم بلسان المعارضة، من يدافع عن المبادئ والقيم ومن يدوسها، لم أعد أعرف ماذا يريد القوم من وطنهم، فكلهم يرتدي أقنعة البراءة الجميلة موجها الاتهامات نحو خصومه، كلهم يزعم حب الوطن، كلهم أبطال من نوع خاص، يتجمعون هنا وهناك، يسحروننا بعباراتهم الساحرة لتصفق أكفنا دون أن تفكر عقولنا لحظة في المقارنة بين جمال القول... وسوء الممارسة! ولدينا حكومة- بسم الله ما شاء الله- هوايتها زرع الهم والكآبة في قلب كل مواطن، تركت كل واجباتها وتفرغت للصراعات السياسية، إنجازاتها "صفر" على كل الصعد، يرى المواطن بعين القهر بلادتها وكسلها ولا مبالاتها في إنجاز المشاريع التي تهمه، ثم يرى بعين العجب حيويتها ونشاطها المنقطع النظير في محاولات شراء الولاءات، وعقد الصفقات السياسية، ومداهنة هذا، وكسب ذاك على حساب الوطن ومقدراته، حكومة لا نجد سببا منطقيا لبقائها واستمرار رئيسها سوى النية لزيادة معدلات الإصابة بأمراض السكر والضغط والقلب بين المواطنين، وهم يتصدرون الجدول العالمي في هذا المجال على أي حال!

أما المعارضة، فصراخ ونحيب وعويل وافتعال لأزمات تزيد طين أداء الحكومة بلة، ترك الجماعة عملهم في التشريع والرقابة تحت قبة البرلمان وتحولوا إلى الشارع يخاطبون شبانا يفتقد معظمهم للنضج والدراية السياسية ليكسبوا ودهم أو أصواتهم المستقبلية، وليظهروا بين فترة وأخرى بمظهر الأبطال، وهم الذين لا يقلون سوءا وتخريبا عن الحكومة، فلا تسمع منهم سوى كلمة "ارحل" موجهة إلى رئيس الحكومة، وكأنما الفساد الذي ينخر كل زاوية من زوايا الوطن سببه فقط وجود الرئيس في منصبه، وأنه باستبداله ستحل كل المشاكل وتصبح حياتنا وردية، متجاهلين أن الظروف والأرضية ذاتها التي صنعته سوف تصنع شبيها له خلال فترة وجيزة من تسلم بديله للمنصب!

أما وسائل الإعلام فقد تحولت إلى وسائل ضغط وابتزاز وتنفّع لا ينتهي، قنوات فضائية أكثر من الهم على القلب تحول كل من فيها- حتى مذيعو برامج الأغاني- إلى محللين سياسيين يتحدثون في السياسة ليل نهار طارحين ما يريد ويشتهي صاحب القناة من آراء وأفكار، والصحف الورقية والإلكترونية التي لا يحتاج بعضها لأكثر من 3 أيام لإنشائها تحول معظمها إلى مصدر آخر من مصادر الرزق عبر مهاجمة هذا ومديح ذاك وتصفية الحسابات لهذا ضد ذاك، والناس "الطيبة" تقرأ وترى وتستمع، ويصيبها الغثاء والغثيان!

أما الشباب "الناشط" فقد وضع كثير منهم عمله ودراسته على الرف ليتفرغ للنقاش في تويتر "24 ساعة في اليوم... 7 أيام في الأسبوع"، ممارسا هواية التجريح والتشهير في كل من لا يعجبه، يفرح أيما فرح بأي دعوة للتجمع أو التجمهر لا من أجل شيء سوى أن يقوم بتصوير ونقل ما يحدث بها عبر "تويتر"! أي أنه تحول إلى مراسل متطوع بالمجان، وكعادتنا في سوء الاستعمال حولنا وسيلة التواصل الاجتماعي الجميلة هذه إلى وسيلة لانتقاد النائب الفلاني ومدح النائب العلاني!

المحصلة أن الجميع يلهو ويعبث ويتسلى في حالة ضياع غريبة، ولا أعرف متى سنتفرغ لبناء هذا الوطن بصورة حقيقية، فالوقت يمضي والنفط الذي يجري تحت أقدامنا أو الفرصة التاريخية التي منحتنا الأقدار كي نصنع وطنا دائما ستنتهي قريبا، وسيعض الجميع حينها أصابع الندم... وقت لا ينفع الندم أبدا!