الأغلبية الصامتة: عبدالله جوبا

نشر في 21-07-2011
آخر تحديث 21-07-2011 | 00:01
No Image Caption
 إبراهيم المليفي لقد خاض السريع تجربة العمل وسط بيئة تكره العرب دون تمييز فيما بينهم، وهو لا ينسى المظاهرة التي كسرت فيها يافطة مكتب الكويت الذي وجد لتمويل مشاريع البنية التحية والإسكانية لأنهم لا يعرفون معنى كويت، وعندما فهموا أن الكويت تعني العرب أمعنوا في التكسير، ولكن السريع عرف كيف يقلب المعادلة لمصلحة بلده الكويت على الأقل.

هذه قصة أديب دبلوماسي كويتي، نستذكرها اليوم لعدة غايات، الأولى تخليد ذكرى إنسان ترجم محبته لوطنه عبر إخلاصه وتفانيه في خدمتها، وثانيا مولد جمهورية جنوب السودان التي لها قصة طويلة مع ذلك الرجل، وثالثا تقديم مثال للدبلوماسي الكويتي النشيط للأجيال الجديدة التي تتلمس طريقها وتبحث عن النماذج الغنية في تجاربها وتعدد مواهبها.

لم أعرف السفير عبدالله السريع أو عبدالله جوبا كما لقبه أهل جنوب السودان إلا بعد وفاته رحمه الله من شخص سوداني، هو رئيس المنظمة السودانية لحقوق الإنسان تعرفت عليه بالقاهرة سنة 2000 وقد حدثني عن السريع لساعات طويلة وأوصاني أن أبلغ المسؤولين في الكويت رسالة هي أن هناك مستشفى في جنوب السودان تعثر بناؤه لنقص التمويل، ويحق لدولة الكويت إكمال العمل فيه وإطلاق اسم السفير عبدالله السريع عليه لما يحظى به من شعبية واسعة بين الجنوبيين، وعندما عدت سعيت بالرسالة التي لم تصل وهآنذا أكررها من جديد.

عبدالله جوبا (1934-2000) لم يكن شخصا عاديا، فقد حرم من التعليم رغم تفوقه حتى يعمل كمساعد لسائق اللوري الذي يملكه والده، ثم حصل على الشهادة الثانوية من البحرين بعد معاناة طويلة، وعوض حرمانه من العلم بالقراءة للشعر والفلسفة والفقه والتاريخ العربي والإسلامي، وقد شارك في تأسيس نادي السالمية ونال عضوية اللجنة الأولمبية، وألف عدة مسرحيات وله عدة دواوين شعرية وقصص قصيرة، وصدر له كتابان هما "كنت سفيرا في السودان" و"سنوات في جنوب السودان".

في أوائل سبتمبر 1974 جاءت اللحظة التاريخية لعبدالله السريع عندما عرض عليه مدير مكتب الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي المرحوم أحمد السقاف العمل كمدير لمكتب الكويت في جوبا، وقد وافق السريع على الفور، وحتى تكون الصورة واضحة لم يكن للحضور العربي في جنوب السودان أي تمثيل ما عدا مكتب الكويت، لقد وافق على الذهاب وهو يعلم أن الأمراض الفتاكة والنمور التي تقفز على البيوت ليلا تنتظره هو وأسرته هناك.

لقد خاض السريع تجربة العمل وسط بيئة تكره العرب دون تمييز فيما بينهم، وهو لا ينسى المظاهرة التي كسرت فيها يافطة مكتب الكويت الذي وجد لتمويل مشاريع البنية التحية والإسكانية لأنهم لا يعرفون معنى كويت، وعندما فهموا أن الكويت تعني العرب أمعنوا في التكسير، ولكن السريع عرف كيف يقلب المعادلة لمصلحة بلده الكويت على الأقل، فلم يترك مسؤولا أو سلطان قبيلة إلا زاره ووطد علاقته معه، وقد مثلت زيارة أمير الكويت الراحل الشيخ صباح السالم رحمه الله إلى جوبا دفعة قوية للكويت ولمكانة السريع بين كبار المسؤولين هناك.

وعبر الجنوبيون عن تقديرهم للكويت والسريع عندما منحته جامعة جوبا عام 1981 شهادة الدكتوراه الفخرية في الآداب جنبا إلى جنب مع المناضل نيلسون مانديلا ومجموعة من السياسيين، وفي النهاية جاء التكريم الأكبر من الكويت عندما اختارت السريع ليكون سفيرها في السودان.

في الختام لدي أمل في أن يقوم المعهد الدبلوماسي بتدريس تجربة عبدالله السريع للدبلوماسيين الذين سيرسلون إلى إفريقيا نظرا لوجود الكثير من القواسم بين السودان بشطريه وبقية الدول الإفريقية بتعددها العرقي والديني والقبلي.

الفقرة الأخيرة: بلغة المصالح الدولية نحن أولى بجنوب السودان من إسرائيل، وورقة عبدالله جوبا بيدنا أقوى من كل الأوراق.

back to top