سباجيتي سرجيو ليوني

نشر في 27-07-2011
آخر تحديث 27-07-2011 | 22:02
 زاهر الغافري لا يذكر اسم المخرج الإيطالي الشهير سرجيو ليوني «1929-1989» إلا وتقفز إلى الذهن صورة سينما الـ»سباجيتي وسترن»، وهي صورة مغايرة عن كاوبوي الغرب الأميركي، لأن ليوني نشأ في وسط ثقافي أوروبي حافل بالمسرح والأوبرا والموسيقى والسينما، وقد بدأ حياته الفنية كمساعد مخرج لفيتوريو دي سيكا صاحب فيلم «سارق الدراجة»، وأحد مؤسسي الواقعية الجديدة في الستينيات، غير أن خفوت صوت الواقعية الجديدة وسيطرة السينما التجارية مكن ليوني من الظهور كمجدد في أفلام سباجيتي ويسترن، وكان أول أفلامه «من أجل حفنة من الدولارات» 1965، أول فيلم ويسترن يصور خارج الولايات المتحدة، وقد استعان سرجيو ليوني بالممثل الأميركي كلنتايستوود، الذي أكسبه نجاحاً كبيراً، وأخرج بعد ذلك فيلم «الطيب الشرس والقبيح» عام 1966، وأفلام أخرى منها «أمسي لا أحد» ثم فيلم «حدث ذات مرة في الغرب» الذي انتجته هوليوود بميزانية كبيرة، وهو أول ثلاثية كان آخرها فيلم «حدث ذات مرة في أميركا» من بطولة روبرت دي نيرو، وقبل وفاته كان ليوني يعد لإخراج فيلم ملحمي عن معركة «ليننجراد» إلا أنه مات قبل إنهائه، وتكمن أهمية سرجيو ليوني في شفافيته التعبيرية، وإدخال البعد الشعري في أفلام الويسترن كعنصر جمالي وفلسفي، ويكفي مشاهدة أجمل افتتاحية في تاريخ السينما في فيلم «حدث ذات مرة في الغرب»، وقد تحدث المخرج الإيطالي برناردو برتلوتشي بحب وحميمية عن علاقته مع سرجيو ليوني، كان ذلك عام 1967، وكان برتلوتشي يشعر بالعبث بعد فيلميه الأوليين «الحاصد الشرس» و«قبل الثورة» لقد أحس بأن السينما الإيطالية على أعتاب حالة الانهيار، وكانت تقاليد الواقعية الجديدة قد تحولت إلى أسلوب الكوميديا الإيطالية، وبدا الأمر كما لو أن الواقعية الجديدة قد فقدت ضرورتها العظيمة وتماسها مع الحياة. كانت هذه الواقعية مجرد وصف لإيطاليا خلال الفترة التي سميت في أوائل الستينيات بالازدهار الاقتصادي لذلك شعر برتلوتشي أنها تشبه سينما البرجوازية الصغيرة، بتقاليد لم يستطع أن يشارك فيها. لذلك كان ينتظر بقلق واهتمام أي فيلم جديد لسرجيو ليوني، فقد كان واحداً من أربعة مخرجين كبار، هم: روسوليني، وانطونيوني، وفيسكونتي، ودي سيكا، يعملون شيئاً مختلفاً. وفي أول لقاء بينهما سأل ليوني لماذا تحب أفلامي؟ فأجابه برتلوتشي «أحب طريقتك في تصوير الخيول من الخلف، المخرجون دائماً يصورون الخيول بشكل جانبي، بينما أنت لديك هذه الضربة الرائعة، قليل جداً هم المخرجون الذين يصورون الخيول من الخلف، هذه العملية الأكثر تعبيرية ورومانسية، أحدهم جون فورد والثاني هو أنت» كان ليوني ناقداً سينمائياً ومثقفاً كبيراً، وقد روى لبرتلوتشي الفكرة الأولية لقصة أصبحت في ما بعد فيلم «حدث ذات مرة في الغرب» لسنوات كثيرة ظل سرجيو ليوني متفرداً في السينما الإيطالية، وربما كان ينبغي أن نقول في السينما الاوربية أو بالأحرى في السينما بشكل عام، كان مزيجاً مدهشاً من العظمة والسوقية، هذه الكلمة التي تبدو غير مناسبة، كان يتزود مباشرة من الحياة، وأحياناً تبدو أفلامه مثل أفلام فيسكونتي، لأنه كان يتمتع بروح أناقة شامخة، كان سرجيو يبحث أحياناً عن الصفات الأكثر عادية في شخصياته، كما كانت تظهر في بداية السينما، إضافة إلى ذلك كان يؤمن بشكل تام بالقصة التي يرويها كإيمان المشاهدين بها، ومع ذلك فأفلام الغرب في الولايات المتحدة كانت بشكل أو بآخر في أزمة شبه ميتة، وإذا كانت قد استعادت حيويتها في ما بعد فإن الفضل في ذلك يعود إلى سرجيو ليوني، فقد أخذ أفلام الغرب الأميركية وأعاد تشكيلها برؤيته الإبداعية وبذلك قدم شيئاً جديداً إلى هوليوود، إن هذه الأفلام تدين بكل شيء لسرجيو ليوني، بما في ذلك أفلام كوبولا، سكورسيزي، دي بالما، كلهم أعادوا اكتشاف السينما الأميركية من خلال السينما الأوروبية، وكان هناك نوع من الحب والتقدير من قبل السينما الأوروبية تجاه السينما الأميركية في الستينيات، وذهب صداه إلى الولايات المتحدة، وإذا تساءلت عن السبب فيكفي النظر إلى شخصيتين من شخصيات ليوني حتى تشعر بقوة وحضور الحس الملحمي في أفلامه، إن أفلامه تبدو رائعة مباشرة من النظرة الأولى ويعتقد البعض أن قوة سرجيو ليوني تكمن في الإخراج، أي حركة الكاميرا وإدارة الممثلين واختيار المنظر العام، بعد أن أنهى ليوني فيلم «حدث ذات مرة في أميركا» قال: «لقد بتروا ذاكرة فيلمي» كان يتكلم كناقد أو كمنظر سينمائي، كان ليوني غنياً بالأفكار وخصوصاً حركة الكاميرا، والجانب العاطفي في الشخصيات، وكان أكثر براعة في حيله السينمائية. 
back to top