قد يتصور البعض أن استقلال الكويت لم يكن إلا قراراً بريطانياً صرفاً، ولم يكن للمعطيات الداخلية، والظروف الموضوعية الإقليمية أي دور، بل إن البعض قد ذهب إلى أبعد من ذلك بأن التوجه نحو الخيار الديمقراطي، وبالتالي نقل مجتمع عشائري مطلق إلى الحكم المؤسسي كان قد تم بإشارة من بريطانيا، وهو أيضاً تبسيط مخل، ولا يستند إلى دليل موثق أو حتى شفوي. وهو زعم مشابه للقول إن أعضاء المجلس التشريعي لسنة 1938 كانوا قد طالبوا بضم الكويت إلى العراق، أو هو زعم مشابه، والذي يردده البعض بسذاجة مفرطة هذه الأيام، أن الحركة الدستورية أو ديوانيات الاثنين هي التي دفعت صدام حسين إلى غزو الكويت.
كل المزاعم تلك بحاجة إلى تهذيب وتشذيب وإيضاح، بدلاً من استفحال مقولات تؤدي إلى إضعاف منطقية السياق التاريخي للكويت، فلا إفراط ولا تفريط. مما يؤسف له أن تلك المزاعم، الأقدم منها والأحدث، إنما تستند إلى موقف سياسي ولا تستند إلى إسناد علمي.بريطانيا من جانبها كانت قد اتخذت قرارها بالانسحاب من الخليج، وكانت الكويت كما يبدو قد استكملت العديد من البنى الأساسية التي تتيح لها أن تصبح دولة مستقلة من خلال مشاركتها وعضويتها في العديد من المنظمات الدولية، وإصدارها قوانين ضرورية وأساسية، والتزامها منذ سنوات بإصدار ميزانية بحرص ملحوظ من قبل مسؤول المالية الأول الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، يضاف إلى ذلك وجود نخبة سياسية واقتصادية نشيطة وفاعلة سواء من الفئة التجارية التقليدية أو الأعداد المتزايدة من الشباب الكويتي المتعلم النشيط سياسياً، وفوق هذا وذاك إصرار مستمر من أمير الكويت حينذاك الشيخ عبدالله السالم رحمه الله.ومع أن بريطانيا لم تكن في بادئ الأمر متحمسة لاستقلال الكويت، حيث كانت وجهات نظر بريطانية مؤثرة ترى التمهل بعض الوقت، فإنه في نهاية الأمر تم حسم القرار بدعم الطلب الكويتي بدلاً من الوقوف ضده، ورأى البريطانيون في استقلال الكويت فرصة لاختبار قرارها الاستراتيجي الانسحاب من الخليج الذي كان مقرراً له أن يتم في 1970 إذ إن هناك عدداً من إمارات الخليج سيدخل في ذات الطريق نحو الاستقلال، فلمَ لا تتم التجربة بالكويت؟ بالإضافة إلى ما سيحققه استقلال الكويت من جملة فوائد مالية ومادية لا يمكن نكرانها.هكذا إذا تلاقت المصلحتان، الكويتية والبريطانية، وتم اتخاذ القرار بإعلان الاستقلال، وهو أمر لم يكن بالضرورة مريحاً لعدد من القوى الإقليمية لم تقتصر على العراق فحسب.ولئن كانت بريطانيا قد دعمت استقلال الكويت منذ بدايته، فإن ذلك لا يعني أنها كانت مرتاحة لتعقيدات الاستقلال وما نتج عنه من مصاعب دبلوماسية، بدا أنها تمثل تهديدا لقرار الانسحاب البريطاني عسكرياً، وبالذات بعد إعلان العراق تهديدها للكويت بعد استقلالها، فتعقيدات الحدود وتبعية الدول في المنطقة هي تعقيدات لا نهاية لها، وأطماع القوى الإقليمية الكبرى في الكيانات الأصغر غير خافية بل معلنة، ربما برز ذلك مرة أخرى عندما تقرر استقلال البحرين وقامت إيران بإثارة تبعية البحرين لها وغير ذلك من تعقيدات الحدود والوجود بين دول الخليج ذاتها دون استثناء.الشاهد أنه وحتى استقلال الكويت في 19/6/1961، كانت البلاد تدير شؤونها الداخلية بشكل مستقل، ومع أنها كانت تدير بعض شؤونها الخارجية كذلك، فإن الاستقلال رفع الغطاء البريطاني بشكل نهائي عن الشأن الخارجي، ومع تعقيدات اتخاذ القرار ذاته، فإن الطريق لم تكن معبدة بالورود.للحديث بقية
أخر كلام
الخروج من المأزق
29-06-2011