أمن دول الخليج بالإصلاح السياسي الداخلي أولاً

نشر في 14-02-2012
آخر تحديث 14-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. ساجد العبدلي من الكتب المميزة الموجودة في مكتبتي كتاب «أمن الخليج: من غزو الكويت إلى غزو العراق» والذي هو في الأصل دراسة علمية كتبتها الباحثة البحرينية الدكتورة نصرة البستكي، ولعل ما ميز الكتاب ابتداء، وبطبيعة الحال، هو أنه نتاج قلم نسائي في ظل افتقار الساحة العربية للمسهامات الفكرية النسائية إجمالا وانعدام تلك المتصلة بالشأن السياسي على المستوى العربي، ومن باب أولى المستوى الخليجي.

بلفتة ذات دلالة أهدت البستكي كتابها الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر إلى «جيلها الذي ولد في زمن الهزيمة، فبات يحلم بالنصر المكتمل، وتفتّح وعيه على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، ثم رآه الآن وهو يشيخ وسط الأعاصير ورياح السموم الغربية»، فمن سياق الكتاب لاحقاً اتضح أن الكاتبة عوَّلت كثيراً على تجربة مجلس التعاون كضامن لأمن الخليج في مواجهة «الأعاصير ورياح السموم الغربية». إذ تقول البستكي بما معناه إن علاقة النخب الحاكمة في دول مجلس التعاون مع الدول الغربية استمرت قائمة وودية في إطار تحالف استراتيجي قائم على معادلة الأمن مقابل النفط، وتمكنت النظم الخليجية من الاستفادة من علاقاتها مع الغرب في حماية استقرارها الداخلي رغم ما واجهته من مخاطر محلية وإقليمية. لكن الاستناد إلى علاقة المنفعة المتبادلة من دون عمق حضاري وقومي جعلها محكومة بحزمة من العوامل الخارجة عن حدود السيطرة الخليجية، ومن أبرزها: شكل النظام الدولي القائم، والتوجهات التي تحكمه، وحال الاقتصاد العالمي ومدى حاجة القوى الكبرى فيه إلى النفط، والحقيقة أن دول الخليج أدركت خطورة هذا الوضع، فسعت إلى إقامة كيان سياسي اقتصادي يمكنها من التعامل مع المتغيرات العالمية، ويكون أداة إقليمية تساعد في تحقيق الأمن، فكان تأسيس مجلس التعاون الخليجي، لكن تجربة هذا المجلس بعد هذا العمر الطويل منذ تأسيسه لم تمض في الاتجاه النظري المتوقع لها فظهرت جوانب خلل كثيرة فيه، وعجز المجلس عن مواجهة أي من الأخطار التي تعرضت لها المنطقة، واضطر إلى تغيير مواقفه المبدئية أكثر من مرة، وذلك نتيجة لغياب استراتيجية أمنية واضحة المعالم تحدد مصادر التهديد ووسائل مواجهتها.

لكن ما أعيبه على هذه الدراسة للدكتورة البستكي، رغم إعجابي بها عموماً، تجاهلها وبشكل مثير للاستغراب الحديث عن أهمية الحراك السياسي وأثره داخل دول مجلس التعاون، وانصرافها وبشكل كبير إلى فكرة أن أمن الخليج رهين، وربما رهين فقط، بنجاح تجربة هذا المجلس، في حين أن نجاح مجلس التعاون الخليجي كضامن لأمن الخليج، أو لنقل لأمن دوله الأعضاء حتى نكون أكثر دقة في التعبير، لا يمكن له أن يحصل بتاتا في معزل عن حصول الإصلاحات السياسية الحقيقية في داخل هذه الدول الأعضاء.

لا يمكن بحال من الأحوال تصور أن ست دول خليجية، وهي التي لا تزال في غالبها بعيدة كثيراً عن الديمقراطية الحقيقية، تلك الديمقراطية الضامنة لالتفاف الشعوب على حكوماتها على المدى الطويل، ستتمكن من الصمود في ظل واقع اعتمادها شبه الكلي على النفط كمصدر للدخل، الأمر الذي جعل أهميتها حاليا تفوق حجمها السكاني المحدود، لتصبح ذات تأثير ووزن فاعلين ليس فقط على الساحة العربية والإقليمية، إنما على الساحة الدولية، في حين أننا نعلم أن هذا المصدر الجيوستراتيجي ستتقلص قيمته إلى حد كبير وربما ستنعدم في غضون خمسين عاماً لن تزيد، هذا إن كنا متفائلين. خمسون عاماً في عمر الدول، لا تعد شيئاً، لذلك ما لم تدرك حكومات مجلس التعاون الخليجي وشعوبه أنه لا سبيل للاستمرار على قيد الوجود إلا بالإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية وصولاً إلى الحكومات المنتخبة التي تقوم على رؤى التخطيط والبرامج الإصلاحية الجادة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فإن هذه الدول بما تعانيه من انكشاف ديموغرافي واضح وهلامية سياسية فاقعة سيكون مصيرها إلى الزوال.

ولا أقول الزوال عن دوائر التأثير والقيمة السياسية والاقتصادية في العالم فحسب، بل لعلي أتحدث عن الزوال عن دوائر الوجود الفعلي على الخريطة كما نعرفها اليوم!

back to top