لعل أضعف ما في الأزمات السياسية لدينا في الكويت أنها تبدأ دون مبرر متكامل وتنتهي إلى لا شيء ودون حسم، بل يكاد الباب يترك موارباً في أغلب الحالات إن لم يكن كلها. الصراع الدائر في المجتمع لم يعد له رأس ولا «كرياس»، لا كوع ولا بوع، وأسوأ ما في حالة الصراع أنها بدون قواعد تذكر ولا حتى مضامين اجتماعية واقتصادية، هي حالة صراع مشوهة يغلب عليها الطابع الشخصي أكثر من أي شيء آخر.
فالصراع الاجتماعي هو أمر طبيعي محطته عادة تكون الحلبة السياسية في إطار أحزاب واضحة المعالم والمرجعية، إلا أننا في الكويت اخترنا نمط الصراعات العبثية حتى وإن كانت في البعض منها تحمل مضامين حقيقية. ينسحب هذا الأمر على الجميع دون استثناء، ولكن الأبرز لدينا في هذا الإطار هو الصراع بين الشيوخ. ولعله من المفيد تأكيد أن الصراع داخل الأسرة الحاكمة لم يكن بالضرورة سلبياً بالمطلق، بل إن العديد من محطات الانفراج السياسي في مسيرة تطور البلاد كانت تتخلق في رحم الصراع داخل الأسرة، ولذلك حديث آخر قد نتناوله لاحقاً.الصراع الدائر هذه الأيام، الذي ظل يراوح لعدة سنين، تجاوز الطبيعة العادية للصراع، وتحول إلى مرحلة يتم فيها تكسير أركان المجتمع، عن غير قصد، وهي كارثة إن صحت، وعن قصد، وهي مأساة إن صحت.بالطبع ليس كل ما يقال عن ذلك الصراع حقيقياً أو صحيحاً، وهناك الكثير من المبالغات أحياناً، إلا أنه بالمقابل فإنه ليس كما يقال إنه لا يوجد دخان بدون نار، بل هناك «دخاخين» لا أول لها ولا آخر بدون نار، بل الكثير منها افتعال في افتعال.في وسط ذلك الصراع وفي إطاره حتى على هامشه أو خارجه تحتدم حراكات متعددة المشارب والاتجاهات تسعى إلى إخراج هذه الشخصية أو تلك من سدة المسؤولية، مما يؤدي إلى التباس الأشياء وتداخلها وتشابكها مع التقاطعات «الشيوخية»، وتضيع الرؤية لينتقل الاشتباك إلى المجتمع حتى بين من نظنهم أكثر منهجية وتعقلاً، فتضعف قاعدة الحراك الشعبي، وتنضم إلى طابور التوهان والفوضى والعبثية.بالطبع وبحكم المسؤولية والصلاحيات فإن الحكومة تتحمل الوزر الأكبر في تردي الأوضاع، ولم يعد هناك من سبيل إلا بإعادة صياغة الأولويات وتجديد النهج بالكامل. وبالمقابل فإن الظن بأن رحيل شخص بعينه أو أكثر من الحكومة سيؤدي إلى الانفراج وتوازن المجتمع هو ظن مبالغ فيه. فحكاية التدهور والتراجع بدأت منذ 1966 حين تغولت السلطة حينذاك وحلت المجلس البلدي، وتم تبديد 200 مليون دينار مخصصة للتثمين، وتلا ذلك تزوير علني لانتخابات المجلس النيابي الثاني في 1967 وبقية التاريخ معروفة من استلاب السلطة 1976 وتكرارها بنسخة أشد في 1986، وما السلوكيات الدائرة اليوم من محاولات إفراغ الدستور من محتواه إلا نقطة في تلك المسيرة.من يتصور أنه على موعد مع الديمقراطية بمجرد إزالة شخص هنا أو شخص هناك، فليكن على يقين بأنه على موعد مع عرقوب، وعرقوب هذا هو أشهر شخص عرف بإخلاله بالمواعيد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخر كلام
زمن عرقوب
13-06-2011