تعيش البلاد هذه الأيام تداعيات ما شاع عن تضخم حسابات بعض أعضاء مجلس الأمة بملايين الدنانير فجأة ودون إثبات مصدرها، مما سيشكل فضيحة تنال من المؤسسات الدستورية لو صحت تلك الأخبار وثبتت على ممثلي الأمة... وفي خضم تلك الأحداث أذكر تماماً ما أكدته في مقالة نشرتها في نهاية مارس الماضي بعنوان «مكافحة الفساد... بلا ذمة»، وبعد إقرار الحكومة لهيئة مكافحة الفساد بصيغتها القديمة أرى كما ذكرت سابقاً... استبشرت خيراً عندما أعلن الوزير د. محمد العفاسي نية الحكومة إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، ولكن تبدد ذلك عندما رفض زميله الوزير المستشار راشد الحماد في لجنة الشؤون التشريعية والقانونية البرلمانية أن يتضمن القانون مادة للكشف عن الذمة المالية لأصحاب الوظائف القيادية، بالإضافة إلى إعلانه نية الحكومة رد القانون إذا تضمن هذا البند، فأيقنت أن السُّلطة مازالت تناور وعند موقفها غير الجدي في محاربة الفساد المتمثل في رفضها قانون الذمة المالية منذ عام 1996، إذ إن قانوناً أو هيئة لمكافحة الفساد بدون كشف للذمة المالية للقياديين هو جسد بلا روح، وضحك على الذقون بهيئات بلا معنى، لتسكين الموظفين ومكافأة المرضي عنهم بمناصب عليا، لن تقدم شيئاً إلى البلد، فالفساد مبعثه وأساسه يأتي دائماً مِمَن يملك النفوذ والقرار، وعندما يستشري في قمة الأجهزة الحكومية يلحقه الصغار في القاع بالرشاوى والتجاوزات، ولذلك تتضمن كل المعاهدات الدولية التي تتناول مكافحة الفساد متلازمة من أدوات مكافحة الفساد المختلفة ومراجعة الذمة المالية للقياديين، لأن بقاء القيادي الفاسد دون اكتشافه وإبعاده لن يمكن المخلصين في محاربة الفساد من إنجاز وظيفتهم ما دام سيكون هو أحد المستهدفين من إتمام تلك المهمة.

Ad

ونفس الاستنتاج الذي استنتجته في مقالة مارس الماضي هو ذاته ما تحاول الحكومة اليوم معالجة فضيحة الــ25 مليون دينار وهو ما ذكرته في حينه «لذلك فإن ترويج الحكومة لهيئة لمكافحة الفساد بلا «ذمة مالية» دعاية لا أكثر، ومجرد «برستيج» أمام الأمم بأننا أكملنا أحد أشكال الدولة الديمقراطية المؤسساتية الصالحة، لكنها في الواقع كيان بلا إنتاج وستكون أمام الدولة إشكالية توصيف مهمته... فما هي تلك المهمة وطبيعتها المنوطة بالهيئة المقترحة؟ وهل ستكون بديلاً عن القضاء في تلقي بلاغات الرشاوى التي يحصل عليها الموظفون العامون، أم نسخة عن ديوان المحاسبة تنازعه سلطاته في مراجعة القرارات الإدارية والمالية والعقود الحكومية؟!».

ويجوز لنا في أعقاب هذه الفضيحة التي تتكرر في الحياة السياسية الكويتية منذ عقود أن نعيد ما ذكر في هذا الموضوع وفي المقالة السابقة لعل أن يكون في الإعادة إفادة...المهمة الأساسية لمكافحة الفساد هي تنقية السُّلطات الثلاث الدستورية في الدولة من ممارسات التنفع والكسب غير المشروع وسوء استغلال السلطة بغرض الحصول على مصلحة ما، وكلها تتطلب أن تكون كل قيادات تلك السُّلطات وما تحتها من مناصب نقية وبعيدة عن الشبهات، من خلال الأداة الأهم وهي كشف الذمة المالية للقياديين، وعند ذلك تكون القدرة على مكافحة الفساد ومحاصرته فعالة ومجدية، فيصبح المقعد الوزاري والكرسي البرلماني والمناصب الهامة في الدولة هدفا للمخلصين وأصحاب المشاريع والرؤى الوطنية المخلصة لبلدهم، بينما يعافها أصحاب مشاريع الاستغلال والنهب والتكسب لخشيتهم الملاحقة والمساءلة، وبدون ذلك فإن ما يروج له من هيئة لمكافحة الفساد وفقاً لما تريده الحكومة، هو أداة لمكافحة الفساد بلا مضمون ولا ذمة.