لا أحد قادراً على التنبؤ بما ستستقر عليه الأمور في هذه المنطقة, سواء بعد شهر أو بعد عام أو بعد عشرة أعوام, ولعل ما يجعل عملية استقراء المستقبل مستبعدة أو مؤجلة أو غير ممكنة أن الكل منشغل, حتى بما في ذلك الدول الغربية التي لها مصالح استراتيجية في الشرق الأوسط, بملاحقة الأحداث والتطورات اليومية التي غدا بعضها، كما في سورية، يتخذ طابعاً خطيراً في حال بقيت الأمور تسير في هذا المسار الصعب الذي تسير فيه.
عندما انطلقت شرارة ما يسمى «الربيع العربي» من تونس، وسقط أو أُسقط زين العابدين بن علي، ثم انتقلت إلى مصر وسقط أو أُسقط حسني مبارك، ساد اعتقاد بأن أحجار «الدومينو» في هذه المنطقة ستتلاحق تباعاً، وأن كل شيء سينتهي خلال بضعة أشهر، وأنه وداعاً لبقايا أنظمة الانقلابات العسكرية وما تبقى من أنماط حكم كيم إيل جونغ وكوريا الشمالية.لكن كل هذه الحسابات والتقديرات التي ترافقت مع بدايات هذه الانفجارات الكبرى ما لبثت أن ارتطمت بمستجدات كثيرة، حيث تعثر في مصر الانتقال من حالة ما قبل الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) إلى الحالة المنشودة الجديدة، ودخلت ليبيا في نفق مظلم قد ينتهي بأن تصبح «الجماهيرية» دولة في الشرق عاصمتها بني غازي، ودولة في الغرب عاصمتها طرابلس، وأصبحت اليمن في هذه الوضعية التي تراوح مكانها، وأصبحت سورية أمام استحقاق مرعب هو الحرب الأهلية, لا سمح الله, إن بقيت الأحداث تتخذ هذا المنحى الصعب والشديد الخطورة.كان الاعتقاد أن هذه «الفوضى الخلاقة»! ستنتهي بسرعة، وأن الأمور في كل الدول، التي غشيها هذا «التسونامي» المدمر، ستستقر خلال شهور قليلة، لكن ثبت وبسرعة أن حسابات الحقل غير حسابات البيدر، وأن اندمال جروح بكل هذا الاتساع يحتاج ربما إلى عشرات الأعوام، فالزلزال الذي أحدثته الثورة الفرنسية في فرنسا وأوروبا كلها لم يهدأ ولم يستقر إلا بعد أكثر من مئتي عام استجدت خلالها حالات عابرة كثيرة، وجرت أثناءها حروب أهلية داخلية وإقليمية لاتزال تترك بصماتها على كل القارة الأوروبية.إن هذه ليست دعوة إلى الانتظار لعشرات الأعوام ليعطي هذا «الربيع العربي», الذي قد يتحول إلى خريف أجْرَد شديد العواصف والأنواء, النتائج المرجوة منه بل هي تلمس لحقيقة يجب ألا تغيب عن البال، وهي أن الأحلام الوردية التي راودتنا كلنا مع بدايات هذا الذي حصل بدأت تتحول إلى كوابيس مقلقة، أقلها أن تصبح هذه الفوضى الخلاقة مدمرة، إن لم يكن في كل الدول العربية المعنية ففي بعضها.والمشكلة هنا أن المنطقة العربية تدفع الآن ثمن انهيار معادلة مرحلة الحرب الباردة التي انتهت في بدايات تسعينيات القرن الماضي مع نهاية الاتحاد السوفياتي، وانهيار دول المنظومة الاشتراكية, باستثناء الصين وكوريا الشمالية وفيتنام وكوبا في الغرب, وثمن تَشكُل المعادلة الجديدة التي بدأت بالتحاق أوروبا الشرقية بأوروبا الغربية، ليكون هذا الاتحاد الأوروبي الحالي، ولتتسع رقعة حلف شمال الأطلسي بضم دول غدت بمنزلة «دملة» تحت إبط الإمبراطورية الروسية الجديدة.
أخر كلام
نهايات الربيع العربي!
20-07-2011